نظرة على بيانات سوق العمل للاقتصادات الرئيسية وتأثيرها على توجهات البنوك المركزية

نظرة على بيانات سوق العمل للاقتصادات الرئيسية وتأثيرها على توجهات البنوك المركزية

شهدنا على مدار أغسطس الجاري صدور بيانات سوق العمل لعدد من الاقتصادات الرئيسية، ونظراً للدور المحوري الذي تلعبه تلك البيانات في تحديد توجهات السياسة النقدية للبنوك المركزية جنباً إلى جنب لمسار التضخم، حيث أن تحسن مستويات التوظيف وارتفاع الدخل الشخصي من شأنه تعزيز معدلات الإنفاق والاستهلاك وبالتالي دعم ارتفاع الأسعار، فيما يلي نظرة سريعة على أبرز بيانات سوق العمل الصادرة هذا الشهر ودلالاتها.

 

سوق العمل الأمريكي:

تمكن سوق العمل الأمريكي من الحفاظ على قوته خلال يوليو الماضي، مُضيفاً 255 ألف وظيفة على مدار الشهر، متفوقاً على توقعات الأسواق عند 180 ألف، فضلاً عن مراجعة التوظيف لشهر يونيو على نحوٍ مرتفع من 287 إلى 292 ألف. وقد جاءت تلك البيانات لتؤكد على أن الضعف الهائل لمستوى التوظيف خلال مايو الماضي كان بالأمر المؤقت ولا يعكس تخلي القطاع عن قوته المعهودة.

على الجانب الأخر، تمكنت الأجور من الارتفاع على أساس شهري بنسبة 0.3% لتتجاوز التوقعات، مقابل ارتفاعها بنسبة 0.1% خلال يونيو، فيما استقرت الأجور على أساس سنوي عند النسبة 2.6% لتطابق توقعات الأسواق. هذا، وقد عجزت البطالة عن استئناف الهبوط لتواصل استقرارها عند النسبة 4.9% بخلاف التوقعات بالتراجع. أما نسب المشاركة في سوق العمل فقد ارتفعت من 62.7% إلى 62.8%.

استقلبت الأسواق بيانات سوق العمل بإيجابية، ورأت فيها إشارة على استدامة تعافي الاقتصاد الأمريكي مما يدعم بدوره استكمال الفيدرالي لوتيرة التشديد النقدي. لم تأت البيانات لتدعم الدولار الأمريكي فقط، والذي تمكن من تعويض جزء كبير من خسائره مقابل العملات المنافسة، بل ساهمت في ارتفاع توقعات رفع الفائدة الأمريكي هذا العام.

جدير بالذكر أن صدور تلك البيانات قد سبق إعلان الفيدرالي الأمريكي عن نتائج اجتماع يوليو الماضي، والتي عززت من غموض توقعات رفع الفائدة، خاصة بعد أظهرت النتائج انقسام الأعضاء حول مسار السياسة النقدية خلال الفترة، إلا أن التأكيد على قوة سوق العمل كان من أبرز العوامل المساهمة في دعم التوقعات برفع الفائدة. ولكن هل ستكون قوة سوق العمل كافية لدعم ثقة لجنة الفيدرالي في الأداء الاقتصادي أم لا، هذا ما سوف نكتشفه خلال الفترة المقبلة.

أهم ما جاء في نتائج اجتماع لجنة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي - 17 أغسطس


سوق العمل الكندي:

على النقيض تماماً، جاءت بيانات سوق العمل الكندي لتُظهر المزيد من الضعف خلال يوليو الماضي. فقد أظهرت البيانات فقدان الاقتصاد الكندي 31.2 ألف وظيفة، بعدما فقد 700 وظيفة خلال الشهر الأسبق، وقد جاءت مستويات التوظيف مخيبة لآمال الأسواق التي توقعت إضافة 10.2 ألف وظيفة. لم يكن هذا فقط، فقد عاوت البطالة ارتفاعها من 6.8% إلى 6.9%. كما تراجعت نسب المشاركة في سوق العمل من 65.5% إلى 65.4% خلال نفس الفترة.

فقد عملت البيانات على إحياء مخاوف استمرار خضوع الاقتصاد الكندي للمخاطر الهبوطية والتي قد تزج به إلى مرحلة من الركود. أيضاً ساهمت البيانات في دعم توقعات الأسواق بضرورة خفض الفائدة الكندية هذا العام ضمن محاولات البنك لحماية الاقتصاد في وجه تلك المخاطر، خاصة بعد أن جاءت البيانات الاقتصادية خلال الفترة الأخيرة لتتحدى النبرة الإيجابية للبنك حيال الوضع الاقتصادي.


سوق العمل البريطاني:

جاءت بيانات سوق العمل لتطمئن مخاوف الأسواق حيال الوضع الاقتصادي البريطاني والذي يستحوذ على القدر الأعلى من اهتمام الأسواق خاصة بعد التطورات الأخيرة واستفتاء الخروج من الإتحاد الأوروبي. كانت البيانات قد أظهرت استقرار البطالة عند 4.9% خلال يونيو ماضي، فيما ارتفع متوسط الدخل خلال الربع الثاني بنسبة 2.4%، والتي جاءت دون التوقعات، إلا أنها بذلك قد ارتفعت عند النسبة السابقة 2.3%.

 على الجانب الأخر، فقد تراجع التغير في إعانات البطالة خلال يوليو بواقع 8600 ألف خلال يوليو، على خلاف التوقعات بالارتفاع 5.2 ألف. الأمر الذي يساهم في تهدئة المخاوف المتعلقة بخضوع الاقتصاد البريطاني لتداعيات الخروج من الإتحاد الأوروبي. جدير بالذكر أن بنك إنجلترا قد أوضح أن البطالة قد ترتفع إلى أعلى نسبها 5.5% قبل استئناف تراجعها. هذا، وعلى الرغم من إيجابية البيانات والتي عكست ابتعاد سوق العمل البريطاني عن مخاطر الركود، إلا أن البعض يرى أن البيانات الأخيرة لم تعكس بعد تبعات الانفصال عن الإتحاد الأوروبي، ولذلك يجب مراقبة مسار البيانات خلال الشهور المقبلة لتقييم أداء سوق العمل بشكل أدق.

هذا، وقد شكلت البيانات دعماً قوياً لتداولات الاسترليني خاصة بعد قوة بيانات التضخم خلال يوليو الماضي، ليرتفع الاسترليني دولار من مستويات 1.28 إلى 1.3185 على خلفية البيانات.  

بيانات سوق العمل البريطاني تعكس ابتعاد القطاع عن مخاطر الركود


سوق العمل النيوزلندي:

أحرز سوق العمل النيوزلندي تقدماً ملموساً على مدار الربع الثاني من العام، حيث ارتفع معدل التغير في التوظيف بنسبة 2.4% ليواصل بذلك ارتفاعه منذ الربع الأخير من 2015، متجاوزاً توقعات الأسواق بنسبة 0.6%، فضلاً عن مراجعة القراءة السابقة من 1.2% إلى 1.4%. كما تراجعت البطالة إلى 5.1%، أفضل من التوقعات بارتفاعها إلى 5.3%، والنسبة السابقة التي تمت مراجعتها من 5.7% إلى 5.2%.

استقبلت الأسواق بيانات سوق العمل النيوزلندي بإيجابية، وقد أظهرت البيانات قوة الاقتصاد النيوزلندي. جدير بالذكر أنه تم إدخال بعض التعديلات على مقاييس التوظيف لتضم أيضاً أعداد العاملين بالقوات المسلحة، لتتماشى بذلك مع معايير سوق العمل العالمية.

هذا، وبعد أن ارتفع الدولار النيوزلندي أمام نظيره الأمريكي ، سرعان ما تخلى عن تلك المكاسب مرة أخرى فور صدور البيانات ليهبط من مستويات 0.7320 إلى مستويات 0.72، قبل أن يستأنف محاولات التعافي مرة أخرى خلال الأيام الأخيرة الماضية.

رغم إيجابيتها إلا أنه يجب التعامل مع بيانات سوق العمل النيوزيلندي بحذر


سوق العمل الاسترالي:

اتسمت بيانات سوق العمل الاسترالي ببعض الخداع خلال يوليو الماضي، لتظهر البيانات بوجهٍ عام إضافة الاقتصاد 26.2 ألف وظيفة خلال الشهر، متجاوزاً التوقعات التي استقرت على 10.2 ألف وظيفة فقط، فيما تم مراجعة معدل التوظيف خلال يونيو من 7.9 إلى 10.8 ألف. كما تراجعت البطالة من 5.8% إلى 5.7% على خلاف التوقعات.

ولكن بالتدقيق إلى البيانات، نرى استقرار نسب المشاركة عند 64.9%، فيما خسر التوظيف بالدوام الكلي حوالي 45.400 وظيفة، وارتفع التوظيف بدوام جزئي بـ 71.600 وظيفة، ليكن هو الداعم الرئيسي لقوة البيانات. الأمر الذي أحيا مخاوف عدم استدامة نمو سوق العمل الاسترالي.

وقد واجه الدولار الاسترالي ضغوط هبوطية على إثر البيانات متخلياً عن مكاسبه التي حققها في السابق أمام نظيره الأمريكي، ليتراجع من مستويات 0.77 إلى 0.75 قبل أن يحاول التعافي مرة أخرى وصولاً إلى مستويات 0.76 في الوقت الحالي.

مخاوف الركود تطارد سوق العمل الاسترالي، بالرغم من إيجابية البيانات

 

هذا، وعلى الرغم من أهمية بيانات سوق العمل ودورها في قياس مدى صحة الأداء الاقتصادي، إلا أنها تلعب الدور الأكبر في تحديد توجهات السياسة النقدية للبنوك المركزية. وبالنظر إلى ميل السياسات النقدية إلى السياسة التسيهيلة، فلم يكن للبيانات تأثر طويل المدى على مسار الأسواق.


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image