تعدين البيتكوين هل مازال استثمار مجدي أم لا؟

في عالم العملات الرقمية، نجد عادة ثلاث فئات أساسية من الأفراد الذين يبحثون عن سبل للربح على المدى الطويل من سوق العملات الرقمية المشفرة. الفئة الأولى تضم المتداولين الذين يستفيدون من تقلبات السوق لكسب المال، معتمدين على إدارة دقيقة للمخاطر لضمان الاستمرارية والنجاح. الفئة الثانية تشمل المستثمرين طويلي الأجل، المعروفين بمصطلح "HODLers". يؤمن هؤلاء بالقيمة المستقبلية للبيتكوين، متوقعين ارتفاع سعرها بشكل كبير مع مرور الزمن، لذلك يفضلون الاحتفاظ بعملاتهم بدلاً من تداولها. والفئة الثالثة هم المعدنون، الذين يستثمرون في معدات تقنية للمشاركة في عملية تعدين البيتكوين.

في هذا المقال، سنتعمق في فحص نشاط التعدين لمعرفة ما إذا كان لا يزال النشاط مربح في عام 2023 والعام الذي بعده، وإذا كان الاستثمار في البيتكوين مباشرة قد يكون خيار أفضل للقائمين على التعدين.

 

نشاط تعدين البيتكوين:

سنركز في هذا النقاش على تعدين البييتكوين فقط، باعتبار البيتكوين العملة المشفرة الأولى التي استخدمت هذه الخوارزمية وشهرت هذا المفهوم. يستخدم عمال التعدين أجهزة متقدمة لحل مسائل رياضية معقدة. تعمل هذه العملية وفقا لخوارزمية يطلق عليها تسمية "إثبات العمل"، التي تشكل جوهر شبكة البيتكوين. عمال التعدين مسؤولون عن التحقق من المعاملات وإضافتها للشبكة، مما يمنع الإنفاق المزدوج أو المعاملات المزيفة.

يقوم هؤلاء المعدنون أيضا بتجميع المعاملات في كتل وإضافتها إلى الشبكة (من هنا جاء مصطلح "البلوكشين"). يحصل المعدن الفائز بالكتلة على مكافأة خاصة. هذه المكافأة تنقص إلى النصف كل أربع سنوات في حدث يعرف بإنقسام مكافأة تعدين البيتكوين.

 

إنقسام مكافأة تعدين البيتكوين:

كل أربع سنوات، يؤدي تقليل عدد البيتكوين إلى النصف إلى خفض مكافآت التعدين بنسبة 50٪. حتى الآن، حدث هذا ثلاث مرات - في 2012، و2016، و2020. الحدث الأول خفض المكافآت من 50 بيتكوين لكل كتلة إلى 25 بيتكوين، الثاني من 25 إلى 12.5 بيتكوين، والثالث من 12.5 بيتكوين إلى 6.25 بيتكوين.

يحدث هذا الانقسام في المكافأة بعد كل 210,000 كتلة (تقريبا كل أربع سنوات)، ومن المتوقع أن يحدث الانقسام التالي في 2024، مما سيخفض المكافآت إلى 3.125 بيتكوين.

 

معدات تعدين البيتكوين:

في بدايات ظهور البيتكوين، كان التعدين يتم بشكل رئيسي عبر أجهزة الكمبيوتر الشخصية باستخدام وحدات معالجة الرسوميات العادية. في تلك الفترة، كان الفوز بمكافآت التعدين أمرا يسير للغاية، حيث كانت الأجهزة اللازمة للتعدين متاحة بالفعل للمعدنين، مما يعني أنهم لم يحتاجوا إلى استثمارات مادية إضافية للبدء في التعدين. بالإضافة إلى ذلك، كانت المنافسة في مجال التعدين محدودة للغاية، إذ كان عدد الأشخاص المهتمين بالعملات المشفرة وتعدينها قليل جدا.

لكن الوضع تغير بسرعة مع ظهور أشباه الموصلات المخصصة (ASIC)، التي قدمت قدرات تفوق بكثير تلك التي توفرها أجهزة الكمبيوتر الشخصية العادية، مما أدى إلى تجاوز أجهزة الكمبيوتر تقنيا. هذا الابتكار رفع معايير التعدين بشكل كبير وزاد من التكاليف اللازمة للتعدين الفعال، مما جعل من الصعب على الأفراد المنافسة بمستوى المعايير الجديدة. في هذه الفترة، شهدنا أيضا ظهور مراكز تعدين كبيرة مجهزة بأجهزة قوية جدا.

من الجدير بالذكر أن بعد استخدام أجهزة الكمبيوتر المبنية على تقنية ASIC، شهدنا زيادة كبيرة في معدل تجزئة البيتكوين، مما ساهم في تحسين صحة وأمان الشبكة.

 

تعدين البيتكوين عبر العالم:

مع تطور التكنولوجيا ونشأة مراكز التعدين الكبرى، أصبح واضحا أن هذه المؤسسات ستسيطر على قطاع تعدين البيتكوين. لفترة طويلة، كانت الصين تتصدر العالم في معدل التجزئة، حيث تجاوزت نسبتها 66٪. لكن الوضع تغير بشكل جذري عندما قررت الحكومة الصينية حظر تعدين البيتكوين رسميا، مما أدى إلى توقف الشركات عن العمل وانخفاض ملحوظ في معدل التجزئة في مايو 2021. بعدها تمكنت الشبكة من التعافي بسرعة، مما أكد مرونة البيتكوين وعدم وجود سلطة مركزية قادرة على إيقاف عملها.

بالنسبة لأبرز الجهات الفاعلة في معدل تجزئة البيتكوين، تبرز AntPool كأكبر تجمع تعدين، مع وجود نسبة كبيرة من القوة التعدينية موزعة حول العالم تحت تصنيف غير معروف.

نعود للتساؤل الرئيسي في هذه المقالة:

 

هل نشاط تعدين البيتكوين مربح؟

هذا السؤال معقد ولا يوجد له جواب محدد.

لتحديد ما إذا كان تعدين البيتكوين (BTC) لا يزال يستحق الجهد اليوم، يجب أن نأخذ في الاعتبار أربعة عوامل أساسية:

  1. تكاليف الكهرباء لتشغيل أجهزة التعدين.
  2. مستوى صعوبة التعدين.
  3. توافر وأسعار أجهزة الكمبيوتر اللازمة للتعدين.
  4. مستوى المنافسة في مجال التعدين.

يختلف العامل الأول باختلاف الموقع، حيث تتفاوت تكاليف الكهرباء من مكان لآخر.

من الجدير بالذكر أيضا أن نوع مصدر الطاقة يلعب دور مهم، فبعض المعدنين يستخدمون الطاقة الكهرومائية، الطاقة الشمسية، أو طاقة الرياح، بينما يلجأ آخرون إلى الوقود الأحفوري. هذه العوامل كلها تؤثر في الحسابات النهائية. تزداد صعوبة التعدين مع ارتفاع معدل تجزئة البيتكوين، لأن هذه الصعوبة تحدد مقدار التحقق من المعاملات بالثانية. وقد تم تصميم الشبكة لتوليد عدد محدد من عملات البيتكوين في الثانية، وكلما زاد عدد عمال التعدين، كلما ارتفعت الصعوبة للحفاظ على معدل توزيع العملات ثابت.

مسألة توفر أجهزة التعدين وأسعارها ليست بسيطة دائما. فخلال الارتفاعات الكبيرة في أسعار البيتكوين في عامي 2017 و2021، شهدنا زيادة كبيرة في الاهتمام بالتعدين، مما أدى إلى ندرة أجهزة التعدين وارتفاع أسعار بعض مكوناتها مثل الرقائق وبطاقات الفيديو.

وأخيرا، يعتبر العامل الرابع، المنافسة، هاما للغاية.

كما ذكرنا سابقا، تهيمن الشركات الكبرى في مجال التعدين على السوق، مما يترك فرصًا قليلة للمعدنين الأفراد. بالنظر إلى كل ما سبق ذكره، يتضح أن الإجابة على السؤال ليست بسيطة وتتطلب تفكير عميق. لذا، قبل أن تتوجه إلى شراء معدات التعدين الباهظة بنية الاستثمار في تعدين البيتكوين، تأكد من القيام بكافة الحسابات اللازمة. بعبارة أخرى نشاط تعدين البيتكوين يُعد عملية معقدة وتتطلب استثمار كبير في المعدات والطاقة. في الوقت الحالي، يُعتبر تعدين البيتكوين نشاط تنافسي للغاية، حيث يتطلب قوة حوسبة عالية وكميات كبيرة من الطاقة الكهربائية.

نظرا لازدياد صعوبة الشبكة، أصبحت الأرباح المحتملة من تعدين البيتكوين أقل مقارنة بالسنوات السابقة، خاصة للمعدنين الصغار والأفراد. إضافة إلى ذلك، يتأثر الربح المحتمل من تعدين البيتكوين بعدة عوامل، مثل تكلفة الكهرباء، كفاءة المعدات، وسعر البيتكوين نفسه. في بعض المناطق حيث تكون تكلفة الكهرباء منخفضة، قد يظل تعدين البيتكوين مربحا إلى حد ما، لكن في الكثير من الأماكن، يمكن أن تكون التكلفة الإجمالية لتعدين البيتكوين أعلى من العائدات المحتملة. مع مرور الوقت، أصبحت الشركات الكبيرة ذات الإمكانيات المالية والتقنية العالية تسيطر على الجزء الأكبر من سوق تعدين البيتكوين، مما يجعل من الصعب على المعدنين الأفراد تحقيق أرباح كبيرة. بالتالي، قبل الدخول في مجال تعدين البيتكوين، من المهم إجراء تقييم دقيق للتكاليف والعوائد المحتملة، مع مراعاة التغيرات المحتملة في سعر البيتكوين وصعوبة التعدين.

خلاصة القول:

في السنوات الأخيرة، تطور نشاط التعدين ليصبح صناعة تقدر بمليارات الدولارات، مع سعي العديد من اللاعبين الكبار لتعزيز سيطرتهم عليها. على الرغم من ذلك، تميل هذه التطورات لاستبعاد عمال التعدين الأفراد، إلا أن الكثير منهم ما زالوا يمارسون التعدين ويحققون أرباح. في عام 2024، من المتوقع أن تختبر البيتكوين انقسام مكافأة تعدين البيتكوين الرابع، حيث ستنخفض المكافآت الممنوحة للمعدنين إلى النصف، لتصبح 3.125 بيتكوين لكل كتلة.

من الوهلة الأولى، قد يبدو هذا التناقص في المكافآت كعامل مثبط للوافدين الجدد الذين يفكرون في ما إذا كان الاستثمار والاحتفاظ بالعملة على المدى الطويل أكثر ربحية. جدير بالذكر أيضا أن النمو المستقبلي لقيمة البيتكوين ليس مضمون. في المقابل، يوفر التعدين ليس فقط البيتكوين كمكافأة، بل يساهم أيضا في الحفاظ على أمان الشبكة والتحقق من صحة المعاملات، مما يجعله عنصر أساسي وحيوي في نظام البيتكوين.

اقرأ أيضا:

العملة الرقمية للبنك المركزي (CBDC)

 
الأسئلة الأكثر شيوعًا:

يستخدم عمال التعدين أجهزة متقدمة لحل مسائل رياضية معقدة. تعمل هذه العملية وفقا لخوارزمية يطلق عليها تسمية "إثبات العمل"، التي تشكل جوهر شبكة البيتكوين. عمال التعدين مسؤولون عن التحقق من المعاملات وإضافتها للشبكة، مما يمنع الإنفاق المزدوج أو المعاملات المزيفة. يقوم هؤلاء المعدنون أيضا بتجميع المعاملات في كتل وإضافتها إلى الشبكة (من هنا جاء مصطلح "البلوكشين"). يحصل المعدن الفائز بالكتلة على مكافأة خاصة. هذه المكافأة تنقص إلى النصف كل أربع سنوات في حدث يعرف بإنقسام مكافأة تعدين البيتكوين.

كل أربع سنوات، يؤدي تقليل عدد البيتكوين إلى النصف إلى خفض مكافآت التعدين بنسبة 50٪. حتى الآن، حدث هذا ثلاث مرات - في 2012، و2016، و2020. الحدث الأول خفض المكافآت من 50 بيتكوين لكل كتلة إلى 25 بيتكوين، الثاني من 25 إلى 12.5 بيتكوين، والثالث من 12.5 بيتكوين إلى 6.25 بيتكوين. يحدث هذا الانقسام في المكافأة بعد كل 210,000 كتلة (تقريبا كل أربع سنوات)، ومن المتوقع أن يحدث الانقسام التالي في 2024، مما سيخفض المكافآت إلى 3.125 بيتكوين.

الندوات و الدورات القادمة