هل يطيح ضعف البيانات مؤخراً بتوقعات رفع الفائدة الأمريكية؟

هل يطيح ضعف البيانات مؤخراً بتوقعات رفع الفائدة الأمريكية؟

في الوقت الذي يعاني فيه الاقتصاد العالمي من ضعف النمو الاقتصادي منذ وقوع الازمة المالية العالمية في العام 2008، وبعد فترة طويلة من تقلبات الأسواق دامت لأعوام حتى الآن، تبقى الأسواق في ترقب حذر لتحركات البنوك المركزي الكبرى في محاولة لفهم الصورة الكاملة للوضع الاقتصاد العالمي. وبينما تنزلق أغلب البنوك المركزية نحو السياسة التسهيلية يمثل الاقتصاد الأمريكي مصدراً للأمل والتفاؤل، حيث تترقب الأسواق قيام الاحتياطي الفيدرالي برفع الفائدة للمرة الأولى منذ الأزمة المالية التي عصفت بالكيانات الاقتصادية الكبرى. فمثل ذلك القرار يعكس مدى صحة الاقتصاد الأمريكي وقدرته على تخطي الأزمة، ولكن هل الاقتصاد الأمريكي بالفعل يستحق تلك الثقة؟

بالطبع الاقتصاد الأمريكي يُعد من أكبر وأهم الاكيانات الاقتصادية في العالم، وبالنظر إلى فترات الأزمة، نرى أن الاقتصاد الأمريكي قوياً بما يكفي لمواجهة التقلبات العنيفة. على الرغم من ذلك، فقد تأثر النشاط الاقتصادي ليس فقط بالأوضاع المحلية بل والعالمية أيضاً، ليشهد حالة من التراخي أو التباطؤ بين الحين والأخر. ولعل من أهم الأوضاع العالمية التي تثقل على النمو الاقتصادي داخل الولايات المتحدة حالياً: 

  • الهبوط الحاد في أسعار النفط العالمية. 
  • ضعف النمو الاقتصادي العالمي. 
  • تقلبات الأسواق بين الحين والأخر. 
  • تباين البيانات الاقتصادية. 
  • تناقض توجهات السياسة النقدية بين بعض البنوك المركزية الكبرى. 

وبعد فترة طويلة من تباين البيانات الاقتصادية وتضارب الآراء حول موعد رفع الفائدة، كانت الآمال مازالت مُعلقة حول إتخاذ ذلك القرار خلال اجتماع سبتمبر الماضي استناداً إلى قوة بيانات سوق العمل. وبعد أن قرر الاحتياطي الفيدرالي الانتظار لرؤية المزيد من البيانات، اتجهت التوقعات نحو ديسمبر المقبل. وقد عملت تصريحات أعضاء لجنة الاحتياطي الفيدرالي وعلى رأسهم "يلين" لتعزز من تلك التوقعات بشكل كبير، مؤكدين على أن إحتمالية رفع الفائدة هذا العام لاتزال قائمة.

في أوقات الأزمة، يكون من الصعب رؤية الصورة واضحة، لذلك فإن الحكم على الوضع الحقيقي للاقتصاد الأمريكي خلال الفترة الراهنة والتنبؤ بتوجهات السياسة النقدية مستقبلاً يُعد أمر صعب. لكن في تلك الحالية، ليس أمامنا إلا النظر إلى البيانات خلا الفترة الأخيرة، لتكوين رؤية أوضح.

أولاً، جاءت بيانات التوظيف لتخيب الآمال للشهر الثالث على التوالي، مما بعث المخاوف مجدداً حول تأثر الاقتصاد الأمريكي بالأوضاع العالمية وتقلبات الأسواق الناشئة مؤخراً. فقد سجلت أعداد التوظيف ارتفاعاً بواقع 142 ألف فقط خلال سبتمبر الماضي دون توقعات الأسواق عند 202 ألف. كما تمت مراجعة القراءة السابقة على نحوٍ منخفض من 173 إلى 136 ألف. جاء ذلك بالتزامن مع تراجع متوسط الدخل إلى النسبة 0.0%، بالمقارنة بالقراءة السابقة المراجعة عند 0.4%. على الجانب الإيجابي، فقد تمكنت معدلات البطالة من الاستقرار عند نسبة 5.1%، والجدير بالذكر أن تلك النسب تقع في النطاق المحدد من قِبل الاحتياطي الفيدرالي. تكمن أهمية بيانات التوظيف في كونها أحد المؤشرات الرئيسية التي يعتمد عليها الاحتياطي الفيدرالي في تحديد صحة الأداء الاقتصادي. 

ثانياً، انزلق مؤشر أسعار المستهلكين إلى النطاق السلبي خلال أغسطس الماضي مسجلاً -0.1%، أدنى من توقعات الأسواق عند 0.0% والنسبة السابقة عند 0.1%. تُعد تلك هي المرة الأولى التي تهبط فيها معدلات التضخم إلى النطاق السلبي منذ يناير من العام الجاري. على الجانب الأخر، فقد استقر المؤشر بقيمته الأساسية عند النسبة 0.1% خلال نفس الفترة، مما قد دفع البعض إلى الاعتقاد بأن الأوضاع الخارجية مازالت تشكل عبئاً على عملية تعافي معدلات التضخم. 

ثالثاً، سجل عجز الميزان التجاري بالولايات المتحدة ارتفاعاً ليصل إلى 48.3 مليار دولار خلال أغسطس الماضي، بالمقارنة مع توقعات الأسواق التي أشارت إلى 47.6 مليار، والقراءة السابقة التي تمت مراجعتها من 41.9 إلى 41.8 مليار.

تأتي تلك البيانات لتترك الأسواق في تشتت واضح حول الوضع الراهن للاقتصاد الأمريكي وهل ما إذا كان قادراً على التماسك في وجه تقلبات الأسواق العالمية، أم أنه لن يتمكن من الصمود؟

هذا، ومع ترقب الأسواق لنتائج اجتماع الاحتياطي الفيدرالي مؤخراً خلال اليوم، فمن المتوقع ألا يتم الإعلان عن أية خطوات جديدة فيما يتعلق بمسار السياسة النقدية، ليفضل الأعضاء ضرورة انتظار مزيداً من البيانات لتحديد موعد قرار رفع الفائدة المناسب.

 

لرؤية أكثر وضوحاً ننصحكم بالإطلاع على: 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image