دروس مستفادة من أساطير التداول

تكلمنا سابقًا عن واحد من أساطير المضاربة في أسواق المال وهو، برنارد باروخ، كما تكلمنا عن بعض النصائح التي نستفيد منها بالطبع في تداولاتنا، أما اليوم فنتحدث عن أسطورة جديدة من أساطير التداول، والذي يُعد واحد من أعظم المتاجرين على مر التاريخ، وربما تجد قليلًا من الناس قد تعرفه، فدعونا الآن نتعرف على هذه الأسطورة.

هو "جيسي ليفرمور" وُلد عام 1877م، في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، ترك المدرسة في سن مبكرة، وهرب من المنزل بمساعدة والدته ليتجنب العمل في الزراعة التي كان يعمل بها والده، ثم انتقل إلى بوسطن، ليبدأ عمله في مجال التداول مبكرًا وهو في سن الرابعة عشر، عن طريق وظيفة نشر أسعار الأسهم والسندات والسلع في شركة "باين ويبر" للوساطة المالية.

وبعد فترة من عمله في تسجيل الأسعار، لاحظ ليفرمور أن هذه الأسعار غالبًا ما تتحرك في نماذج يُمكن توقعها، وتوصل أنه بإمكانه جني مبالغ كبيرة من المال، وأنه باستطاعته التغلب على هذا السوق، ولكن لم يكن يمتلك المال الكافي للبدء في التداول، فبدأ يقضي ساعات راحته في شركات وساطة غير مرخص لها بالتعامل في الأوراق المالية، حيث يمكنه جمع المال عن طريق توقع اتجاهات بعض الأسهم والسلع، واستطاع أن يجني أكثر من 1000 دولار وهو في سن الخامسة عشر (ما يُعادل تقريبًا 23,000 دولار في يومنا هذا).

وبعد تجاهله تحذيرات مديره في العمل بالابتعاد عن هذه الشركات، تم طرده من العمل، وأصبح متفرغًا فقط للتداول واستطاع أن يُحقق نجاحًا كبيرًا، إلا أنه مُنع من دخول تلك الشركات في بوسطن، ولجأ إلى التنكر واستخدام أسماء مزيفة ليتحايل على هذا المنع، وفي سن العشرين انتقل إلى نيويورك، حيث بدأ فعليًا حياته كواحد من أعضم متاجري الأسهم على مر التاريخ، حيث وصفه، ويليام جان بأنه واحد من أروع المتاجرين في عصره، بينما عاب عليه في شئ واحد هو أن بإمكانه جني الكثير من الأموال ولكنه لايعرف كيفية المحافظة عليها.

وطيلة حياته استطاع ليفرمور عمل ثروة من ملايين الدولارات وخسارتها لأكثر من مرة، وفي قمة نجاحه عام 1929م، استطاع ليفرمور تجميع ثروة تُقدر بحوالي 100 مليون دولار (ما يُعادل تقريبًا 1.37 مليار دولار في يومنا هذا)، وصنع لنفسه أسلوب حياة يحلم به الكثيرون، وصل لدرجة وصول تعليقات الناس أنهم يريدون أن يُصبحوا أغنياء مثل جيسي ليفرمور.

وفضلًا عن نجاحه كمضارب في الأسواق المالية، فقد ترك ليفرمور فلسفة لتداول الأوراق المالية، ومجموعة من قوانين التداول التي يجب على كل متاجر أن يضعها نصب أعينه، منها :

• تاجر مع الاتجاه، اشتري عندما يكون السوق صاعدًا، وقم بالبيع عندما يكون السوق هابطًا.
• لاتقم بالتداول عندما لاتكون هناك فرصة واضحة.
• تاجر باستخدام النقاط المحورية.
• انتظر تأكيد السوق قبل دخول الصفقة، الصبر يقودك إلى الأموال الكثيرة.
• اجعل أرباحك تتقدم، وإغلق صفقاتك الخاسرة.
• تاجر بتحديد وقف خسائرك قبل دخولك الصفقة.
• لا تنتظر الوصول إلى نداء الهامش (Margin Call)، قم بإغلاق صفقاتك الخاسرة.

في عام 1923م، قام إدوين لوفيرف بنشر كتاب بعنوان "مذكرات أحد العاملين بالأسهم" عن حياة جيسي ليفرمور، ويحظى هذا الكتاب بتقدير كبير، حيث يُعد من أكثر الكتب التي يُوصى بقراءتها للمتاجرين، فهو يستحق فعلًا أكثر من توصية عابرة، لما فيه من دروس مستفادة لمن هو مهتم بعالم المال، ونذكر فيما يلي بعض الاقتباسات من هذا الكتاب :

• استغرقت خمسة سنوات لتعلم لعبة التداول بذكاء كافي لجني أموال كثيرة عندما كنت على صواب.
• هناك وجه واحد للسوق، ليس الجانب الصاعد أو الجانب الهابط، ولكن الجانب الصحيح.
• يجب على الشخص أن يكون واثقًا من نفسه وأحكامه، إذا كان ينوي أن يكسب عيشه من هذا السوق.
• لا يوجد شئ مثل خسارة كل ما تملك في العالم لتتعلم ما الذي يجب عليك ألا تفعله، وعندما تتعلم ما الذي يجب عليك ألا تفعله حتى لا تخسر الأموال، فإنك تبدأ في تعلم ما الذي يجب عليك فعله لتربح، هل فهمت تلك العبارة؟ إذا كانت الإجابة نعم فلقد بدأت التعلم.

في 28 نوفمبر 1940م، أطلق ليفرمور النار على نفسه في أحد فنادق منهاتن، وترك رسالة إلى إلى زوجته أنه لا يمكنه الاستمرار أكثر من ذلك وأن ذلك هو السبيل الوحيد للخروج وأنه لا يستحق حبها ويتأسف لها، وتوفى وعمره يناهز الثالثة والستين.

أوجد لنفسك مكانًا في القمة ففي القاع ازدحامٌ شديد، والنجاح ليس بالأمر السهل فتحقيقه يتطلب الكثير من العمل الشاق والمجهود والتفاني والسلوك الصحيح، ووصولك إلى هذا النجاح لا يعني أن تتوقف، ففي كل يوم ينجح الكثيرون ويتخذونه سببًا للراحة، والقليل منهم يتخذونه سببًا للمزيد من العمل.