كيف يتوقف نزيف الدولار الأمريكي؟

في الوقت الذي تقف فيه البيانات الأساسية الجيدة وراء الدولار الأمريكي كمحرك أساسي لحركة سعر العملة، تقع الكثير من التغيرات في شهية المخاطرة، خاصةً عندما تكون شهية المخاطرة متعلقة في أحبال السياسة النقدية وما يظهر من توقعات بتحركاتها. يفسر ذلك لماذا لم يدم التتعافي في حركة سعر الدولار الأمريكي يوم الجمعة الماضية طويلًا. ببساطة شديدة، لم يستمر تعافي عملة الاحتياط لوقتٍ أطول بسبب تصريحات برنانك التي كشفت النقاب عن اقتراب الفيدرالي من التسهيل النقدي وأنه مقبل عليه لا محالة الشهر القادم. فما كان إمكانية بالأمس أضحى حقيقةً وواقعًا اليوم علاوة على بداية تحقق الشكوك حيال توقف التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة عن التقدم تمامًا وأنه في حاجة إلى التحفيز والدفع من جانب الفيدرالي. كانت النتيجة أن أصيب الدولار الأمريكي بحالة من الوهن الشديد مقابل العملات الرئيسة أثناء أغلب أوقات الفترة الأمريكية. على الرغم من ذلك، بدأت عملة الاحتياط في التعافي من جديد عندما بدأ جيثنر حديثه الذي تناول في إطاره ضرورة رفع اليوان وإعادة الصين النظر في القيمة الحالية لعملتها.ووعلى الرغم من دعم التصريحات المشار إليها للدولار الأمريكي، إلا أن السياسة النقدية الفيدرالية سوف تبقى على العملة في أسوأ حالاتها مقابل باقي العملات الرئيسة على مدار الفترة القادمة وحتى اجتماع اللجنة الفيدرالية القادم. يدل على ذلك ما صرح به لوكهارتن عضو مجلس الفيدرالي، من أن الدفعة القادمة من التسهيل النقدي لابد ان تكون ضخمة حتى تحدث الأثر المأمول فيما يتعلق بدعم وتعزيز الاقتصاد. ومع أن هذه التصريحات تؤيد سياسة الدولار الضعيف، إلا أن العضو المذكور عضو غير مصوت بالمجلس.


ما الذي يمكن أن ينقذ الدولار الأمريكي؟


هناك شيء واحد يمكنه إنقاذ الدولار على المدى الطويل والذي يمكن أن ينبثق عن قمة مجموعة العشرون القادمة حيث يلتقي وزراء مالية ورؤساء البنوك المركزية لدول المجموعة يومي الجمعة والسبت الأوليْن من نوفمبر القادم. فالأمل الوحيد للدولار هو أن ينجح الطرفان الأمريكي والصيني في الوصول إلى تسوية حول قضية العملات، إلا أن هذا الأمل يعتبر ضعيفًا للغاية. يدل على ذلك أن تأجيل تقرير التدخل في سعر الصرف الذي يصدر عن الخزانة الأمريكية كل نصف سنة تسبب في هبط حاد للدولار، وقد كان من المقرر أن يصدر هذا التقرير الأسبوع الماضي، إلا أن الإدارة الأمريكية رأت أن تتمهل لمتابعة ما إذا كانت الصين سوف تبتلع الطعم وتقبل برفع اليوان أم لا. ومن المفارقات الطريفة أن الأمر يزداد صعوبة وتعقيدًا بمرور الوقت حيث كيف يتسنى للولايات المتحدة والصين التوصل إلى حل لحرب العملات الدائرة بينهما وسط مفاوضات ومناقشات تشترك فيها 20 دولة وهما لم ينجحا في ذلك وسط عدد أصغر من الدول في قمة السبع الماضية. وحتى يتوقف الدولار الأمريكي عن الهبوط سوف تضطر دول مثل البرازيل، كوريا الجنوبية واليابان إلى التدخل في سعر صرف عملاتها حتى تضمن حماية قطاع الصادرات من الهبوط الحاد للدولار. من جهةٍ أخرى، لن تتمكن الولايات المتحدة من إطلاق أي وعود بإعادة الدولار إلى سابق عهده من القوة في وقتٍ يقترب فيه الفيدرالي من تخريج الدفعة الثاية من التسهيل النقدي. لذلك، ومع ضعف هذ الاحتمال، يبقى الأمل الوحيد في قمة العشرين التي تعتبر التجمع الوحيد والحدث الأوحد الذي في إمكانه المساعدة في التصدي لتذبذب سوق العملات. فمسألة التوصل إلى إجماع عام على رفع قيمة اليوان يقع على جانبٍ كبيرٍ من الصعوبة والتعقيد. وحتى كيم سونج مين، رئيس شئون قمة العشرين في سول صرح بأنه من المؤكد، وفقًا لما يراه الكثير من المهتمين، أن يتم التوصل إلى اتفاق واضح حول جميع القضايا ذات الصلة بالعملات. على الرغم ذلك، نعتقد أنه من ضرب المستحيل أن يتم التوصل إلى مثل هذا الاتفاق. وإذا ما صحت وجهة نظرنا، فسوف تكون قمة عطلة نهاية الأسبوع الجاري تحصيل حاصل لا طائل من وراءها ليستمر هبوط الدولار الأمريكي.


تقارير مبيعات الأوراق المالية الأمريكية تشير إلى أن لصين مستمرة في شراء أصول الدولار:


هبط معدل الطلب الأجنبي على الأوراق المالية الأمريكية بنسبة 50% في أغسطس، على الرغم من ذلك، لا تعكس التفاصيل نفس درجة السلبية التي يعكسها العنوان الرئيس للقراءة حيث كان الطلب على سندات الخزانة قويًا للغاية، ما يشير إلى أن البنوك المركزية والمستثمرون في لقطاع الخاص يتوقعون استمرار تراجع العائدات. جدير بالذكر أن التدفقات المالية الأجنبية لسندات الخزانة الأمريكية بلغت 38.9 مليار دولارًا في أغسطس مقابل 63.3 مليار دولارًا في الشهر السابق بينما بلغت قراءة صافي مشتروات الأجانب من الأوراق المالية الأمريكية إلى 128.7 مليار دولارًا وقد حدثت هذه الفجوة نتيجةً لتراجع صافي العائدات الخاصة بممتلكات البنوك المركزية من سندات الخزانة الأمريكية التي تحدث كل ربع سنة. يلقي ذلك الضوء على زيادة المستحقات الواجب على البنوك سدادها للأجانب في صورة إيداعات من المقيمين الأجانب لدى المؤسسات المصرفية الأمريكية وعمليات اقتراض يقوم بها الأجانب أيضًا. كما أظهر التقرير ارتفاع الطلب على الدولار من جانب المملكة المتحدة، الصين، اليابان وصناديق التحوط في دول حوض الكاريبي. كما كان من بين أصحاب الطلب المرتفع على الدولار وأصوله البرازيل وكوريا الجنوبية. وعلينا أن نتذكر بهذا الصدد أن الدولار كان مرتفعًا بالفعل في أغسطس الماضي لذا لا يمكن الوصول عبر هذه البيانات إلى أي مدى أدى تراجع الطلب على العملة الأمريكية إلى انهيار الدولار الأمريكي في سبتمبر.


ولا نتوقع أن تتغير شهية اليابان والصين والبرازيل تجاه الدولار. على العكس، من الممكن أن يكون الإقبال من جانب هذه الدول على الدولار قد ازداد بسبب التدخلات التي قامت بها في سعر الصرف لشهر الماضي. من جهةٍ أخرى، سمحت الصين لعملتها بالارتفاع إلى مستوى قياسي مقابل الدولار الأمريكي، وهو ما يشير إلى تراجع الطلب الصيني على أصول الدولار. مع ذلك، لا زالت الصين هي المشتري الأكبر على الإطلاق للأصول الأمريكية والمالك الأكبر في العالم لسندات الخزانة الأمريكية حيث تلقت ممتلكاتهم من هذه السندات دفعة إلى أعلى بواقع 21.7 مليار دولارًا مقابل مشتروات اليابان التي بلغت 15.6 مليارًا فقط. جدير بالذكر أن الفجوة بين ممتلكات الصين واليابان من سندات الخزانة الأمريكية كانت قد تراجعت منذ بداية العام الجاري، إلا أنها عادت للاتساع من جديد في أغسطس. في غضون ذلك، تراجع الإنتاج الصناعي بالولايات المتحدة بواقع 03% مع هبوط معدل استغلال القدرات إلى 74.7% مقابل القراءة السابقة التي سجلت 74.8%، وهو ما شكل مفاجأة كبرى تمثلت في أن الدولار الضعيف لم يعط دفعى لقطاع التصنيع الأمريكي. يفسر ما سبق مبررات الضغط الأمريكي على الصين لرفع اليوان، خاصة في ضوء عدم قدرة الدولار الضعيف على دفع قطاعي التصنيع والصادرات علاوة على أنه على الرغم من ارتفاع مؤشر ثقة بناة المنازل، إلا أن توقعات بيانات الإسكان لا زالت تنطوي على قدرٍ كبيرٍ من السلبية. لكل ما سبق، لا يتوافر لدى الإدارة الأمريكية سوى بطاقة لعب وحدة فقط لحفظ ماء الوجه ولخروج من المأزق الحالي لضعف الدولار؛ هو الضغط على الصين من أجل رفع اليوان لزيادة القدرة التنافسية للدولار على صعيد الصادرات.


تريشيه ينفي وجود مخططات للتوسع في شراء السندات:


نهى اليورو تعاملات يوم الاثنين على تراجع مقابل الدولار الأمريكي, وكان تريشيه، محافظ البنك المركزي الأوروبي قد صرح في نهاية الأسبوع الماضي بأنه يختلف مع فيبر، عضو المركزي الأوروبي، في أهمية التراجع عن عن التوسع في شراء السندات في أقرب وقت ممكن. كما أعرب تريشيه عن قناعته بأن النمو لا زال تحت المستويات المأمولة، لذلك يُعَد من الصعوبة بمكان في الوقت الراهن وأنه من غير الملائم على الإطلاق أن يتوقف العمل بسياسة التسهيل النقدي. كما صرح تريشيه بأن تصريحات فيبر لا تعبر عن وجهة النظر الرسمية للبنك المركزي الأوروبي. وعلى النقيض من رؤية فيبر للموقف النقدي الحالي لمنطقة اليورو، أنه من الممكن أن يتم التوسع في دعم البنك المركزي الأوروبي للدول المتعثرة في المنطقة مستشهدًا بهذه الدول وحالتها على استمرار تعرض التعافي الاقتصادي لضغوط حادة. كما تناول رئيس المركزي الأوروبي قضية العملات مشيرًا إلى أن التذبذب في سوق العملات يأتي بآثار عكسية علاوة على تصريحه بأن قوة الدولار الأمريكي تصب في مصلحة اقتصاد الولايات المتحدة، على الرغم من ذلك، كاد أثر هذه التصريحات على السوق أن يكون معدومًا. بعد ذلك أتت تصريحات ناوتوني لتكون خير تصديق على ما أدلى به تريشيه من تصريحات حيث قال ناوتوني أن البنك المركزي الأوروبي ليس لديه هدف حالي للفائدة في الوقت لواهن كما لا توجد لديه أي مخططات للتدخل في سعر صرف اليورو. وعلى الرغم من ذلك، اعترف ناوتوني بأن برنامج شراء الأصول لا يمكن أن يستمر إلى الأبد وأن الحاجة إليه قد تنتهي في وقتٍ قريبٍ. في نفس الوقت، لم تظهر أي بيانات أوروبية على الإطلق اليوم، إلا أننا ننتظر قراءة مؤشري الحساب الجاري وZEW الألماني يوم غد. جدير بالذكر أن البيانات الاقتصادية التي ظهرت مؤخرًا في منطقة اليورو لم تكن إيجابية على الإطلاق حيث تراجعت شهية المخاطرة بسبب التوقعات باستمرار الوضع كما هو في الوقت الحالي والذي يعكس حالة من تراجع الاقتصاد الأوروبي.


هل هناك المزيد من التسهيل النقدي في الطريق إلى المملكة المتحدة؟


ارتفع الإسترليني من جديد بواقع 90 نقطة من مستوى الدعم الذي تلقته العملة في منطقة 1.5720/30 حيث بدأ الدولار في الهبوط مقابل جميع العملات الرئيسة. هذا ولم يجذب هذا الارتفاع المتداولين إلى اتخاذ مواقف شراء للإسترليني مرجحين أن هناك إمكانية لمعاودة (الإسترليني / دولار) الهبوط مرة ثانية. ويبدو أن هناك حالة من القلق حيال التحركات المستقبلية للإسترليني متأثرين في ذلك بتصريحات بوسن، عضو لجنة السياسة النقدية ببنك إنجلترا، التي أشار فيها إلى إمكانية اللجوء إلى المزيد من التسهيل النقدي. من جهةٍ أخرى، ظهرت وجهات نظر متباينة ومختلفة تمامًا عن بعضها البعض بين أعضاء لجنة السياسة النقدية ببنك إنجلترا حيث رأى العضو سينتانس أنه لا حاجة للاستمرار في تطبيق سياسة نقدية فضفاضة بينما ذهب بوسن إلى وجهة نظر مختلفة تمامًا لم يكتف بإطارها بمجرد التصريح بضرورة اللجوء إلى التسهيل النقدي في صورة شراء السندات الحكومية، بل تجاوز ذلك إلى القول بأهمية شراء البنك المركزي لسندات الشركات. ظل هبوط الإسترليني هو الظاهرة السائدة في سوق العملات حتى حدث هبويط أعنف للدولار الأمريكي في أعقاب ظهور البيانات السلبية على رأسها التراجع الحاد في ثقة المستهلك الأمريكي مما أدى إلى توافر فرصة ذهبية أمام الإسترليني والتي استغلتها العملة بالفعل لمعاودة الارتفاع بواقع 90 نقطة. وترجح وجهات النظرالمتضاربة التي ظهرت داخل لجن السياسة النقدية ببنك إنجلترا أن البنك المركزي لن يعلن عن أي زيادة للتسهيل النقدي الأسبوع القادم.


الدولار الكندي وتثبيت الفائدة:


بعيدًا عن الإسترليني، توسع الدولار الكندي في خسائرة مقابل الدولار الأمريكي على الرغم من ارتفاع الطلب الأجنبي على العملة وأصولها المتداولة. جاءت البيانات لتشير إلى أن مشتروات الأجانب من الأصول الكندية المتداولة وصلت إلى 11.09 مليار دولارًا كنديًا في أغسطس مقابل 5.50 مليار دولارًا في يوليو. كان رفع الفائدة الكندية علاوة على التكهنات بنمو اقتصادي أقوى هي السبب في زيادة الطلب على الدولار الكندي. على الرغم، محافظ بنك كندا أشار فيها إلى أنه لا زال هنا افتقار واضح لليقين بأن التعافي ماضٍ في طريقه الصحيح. وأضف أنه في ظل الظروف الراهنة التي تتمثل في تباطؤ الاقتصاد الأمريكي وتراجع قطاعي الاستهلاك والإسكان بكندا، يجب التفكير بعمق قبل اتخاذ القرار بسحب التسهيل النقدي ورفع الفائدة. وحيث هبطت معدلات التوظيف وتراجعت مبيعات التجزئة في كندا على مدار الفترة الممتدة ما بين الاجتماع السابق للبنك المركزي ووقتنا هذا، لا نتوقع أن يعلن البنك المركزي على رفع الفائدة ولا أن تكون التصريحات المتضمنة في بيان الفائدة تتسم بالتفاؤل يوم الثلاثاء القادم.


وعلى صعيد الدولاريْن الأسترالي والنيوزلندي، فقد تماسكت العملتان عند مستويات مرتفعة. جاءت البيانات النيوزلندية إيجابية للغاية حيث ارتفعت قراءة مؤشر PMI الخدمي النيوزلندي إلى 54.8 مقابل القراءة السابقة التي سجلت 51.9 في سبتمبر بينما ارتفعت أسعار المستهلك النيوزلندي إلى 1.1% . وفي حالة استمرار التحسن الواضح في البيانات من الممكن أن نرى بنك الاحتياطي النيوزلندي يتلقى دفعة نحو رفع الفائدة.


الين الياباني يتوسع في مكاسبه مقابل الدولار الأمريكي:


اكتسب الين الياباني المزيد من القوة مقابل الدولار الأمريكي ومعظم العملات الرئيسة. ومع تتوقف السلطات النقدية اليابانية عن التدخل في سعر صرف الين، يستمر الدولار في الهبوط مقابل الين الياباني. ومن المنتزر أن يصدر التقرير الاقتصادي الشهري عن رئاسة الوزراء في اليابان يوم غد والذي من المتوقع أن يعكس مخاوف الحكومة حيل ارتفاع العملة مما قد يعمل على هبوط الين الياباني.


(الدولار / دولار كندي): زوج العملة الذي يحتل الصدارة اليوم:


من المتوقع أن يحتل (الدولار / دولار كندي) لقدر الأكبر من الأهمية يوم غد حيث تظهر بيانات الإسكان الكندية، بدايات الإسكان وتصاريح البناء. بعده يصدر بيان الفائدة عن بنك كندا.
في أعقاب كسر مستوى التعادل في القوى الشرائية نع الدولار الأمريكي، تراجع (الدولار / دولار كندي) بقوةمستمرًا في الاتجاه الهابط علاوةً على الدخول في نطاق تداول محدود للغاية يمكننا متبعته من خلال نموذج الولنجر باندز. على الرغم من ذلك، من الممكن أن يمثل المستوى 1.02 مستوى المقاومة الأساسية التالية للزوجن هو المستوى المتوافق مع المتوسط الحسابي 20 يومًا. من جهةٍ اخرى، يتواجد الدعم التالي للـ (الدولار / دولار كندي) عنج 1.01، وهو المستوى الذي من الممكن أن يجتذب الزوج إلى الاتجاه الهابط مرة ثانية.

 

 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image