برغم تدفق المعلومات الغزيرة والبرامج الحوارية المتنوعة والتقارير الصحفية الإغراقية؛ يعجز بعض المواطنين عن فهم «الرؤية الوطنية» التي أقرّها مجلس الوزراء، وعهد بتنفيذها لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية. يعتقد الحالمون أن رؤية 2030 سيتم تنفيذها بين ليلة وضحاها؛ ويعتقد المتشائمون أنها «حالمة» وأقرب للخيال منها إلى الواقع. وقف المتفائلون في الوسط واعتمدوا تحليل البيانات، ودراسة التجارب السابقة لتقييم الرؤية والحكم عليها. وجدوا فيها الأمل، والأطر الإستراتيجية، والعزيمة الحكومية على إحداث التغيير الذي طال انتظاره؛ فركبوا سفينة التطوير وبدأوا مشاركة القائمين عليها بالرأي والمشورة والتحفيز وإضاءة الطريق؛ بدلاً من تثبيطهم وإعاقة حركتهم.
رؤية 2030 أملٌ طال انتظاره؛ التزمت الحكومة بتنفيذه؛ وفق برامج نوعية وفترة زمنية محددة؛ وهي لن تفلح في تنفيذه بمعزل عن مشاركة المواطنين والمختصين والأجهزة الحكومية التي سيقع عليها العبء الأكبر في التنفيذ؛ كما أنها في أمس الحاجة إلى البيئة الداعمة والمحفزة على العمل والإبداع. تنفيذ الرؤية لن يخلوَ من المعوقات وبعض المشكلات؛ وهذا أمر طبيعي مرتبط بعمليات التغيير الكبرى؛ مما يستوجب تفهم متطلبات المرحلة المقبلة.
في الغالب؛ تواجه عمليات التحول الشاملة برفض المجتمع أو التشكيك فيها؛ وهذا ما يثبته التاريخ على مر العصور؛ بل إن الأفكار الخلاقة والابتكارات التي أحدثت فتحاً للعالم ووجهت برفض شديد في بداياتها؛ وربما محاكمة من قام بها؛ أو اتهامه بالجنون. ولو توقف المبتكرون والمبدعون عن تقديم إبداعاتهم واختراعاتهم للإنسانية لما وصل العالم إلى ما نحن عليه اليوم من تطور وحضارة ورقي.
أنتقلُ من أهمية الرؤية الوطنية إلى أحد برامجها المرتبطة بالقوى البشرية التي سيكون لها القول الفصل في التنفيذ. حيث أكدت «رؤية المملكة 2030» أنه سيتم تدريب 500 ألف موظف حكومي، وتأهيلهم لتطبيق مبادئ إدارة الموارد البشرية في الأجهزة الحكومية. نعترف أن قدرات الأجهزة الحكومية الحالية لا تتوافق مع متطلبات «الرؤية»، وبالتالي ربما كانت بعض الأجهزة التنفيذية من معوقات تفعيلها؛ إما بسبب ضعف كفاءتها؛ أو لعدم رغبتها في التغيير.
لذا تضمنت الرؤية برامج خاصة لمعالجة هذا الجانب، وبالرغم من أهمية التدريب بشكل عام؛ إلا أن تدريب 500 ألف موظف ليس بالأمر الهيّن؛ كما أن تكلفته المالية باهظة؛ وبالتالي فالحكومة مطالبة بإيجاد بدائل تحقق أهدافها التدريبية؛ دون أن تتكبد التزامات مالية كبيرة.
التدريب عن بعدٍ من البدائل التي طرحتها الحكومة؛ غير أن وزارات الدولة ومؤسساتها في حاجة إلى تدريب نوعي يسهم في تطوير القدرات ورفع جودة العمل؛ وأخشى أن تدخل الشركات الاستشارية على الخط فتقترح برامج تدريبية مكلفة تؤثر سلباً على هدف ضبط النفقات وترشيد العمل الحكومي.
ومن هنا أقترح تطبيق رؤية شركات القطاع الخاص الكبرى في «التحول الإداري»؛ حيث تعمد تلك الشركات إلى انتقاء مجموعة من المتميزين في تخصصاتهم؛ وتقوم بتدريبهم بشكل احترافي كي يتمكنوا من تدريب زملائهم على رأس العمل؛ فتحقق أربعة أهداف رئيسة: التدريب النوعي؛ خفض النفقات؛ عدم خلخلة العمل بسبب تفريغ الموظفين؛ خلق قيادات متميزة يمكن أن تسهم في القيادة مستقبلاً. يمكن لوزارات ومؤسسات الدولة أن تطبق آلية عمل الشركات في التدريب؛ فتحقق الكفاءة وخفض التكاليف وتستثمر قدرات موظفيها وتصنع التنافس بينها.
إضافة إلى ذلك؛ فالموظف المتميز أكثر معرفة بطبيعة العمل؛ ومتى أُعطي جرعات تدريبية نوعية سيكون أكثر مقدرة على إيصال المعلومات؛ ومعالجة المشكلات وتطوير الأداء الحكومي بشكل عام. أهمية التدريب لا تلغي أهمية تطبيق الأنظمة التي أعتقد أنها القادرة على تحفيز العمل، ورفع جودة الأداء والتحول التدريجي من الفكر الحكومي البيروقراطي إلى فكر القطاع الخاص الذي يعتمد الإنتاجية قاعدة له. ونكمل بإذن الله.
آخر وأحدث التحليلات
الندوات و الدورات القادمة
الذكاء الاصطناعي: سلاح المتداول لضبط النفس
- الثلاثاء 17 ديسمبر 08:30 م
- 120 دقيقة
- أ. شانت بدزيكوف
مجانا عبر الانترنت
مجانا عبر الانترنت
تقنيات واستراتيجيات الفيبوناتشي
- الخميس 19 ديسمبر 08:30 م
- 120 دقيقة
- م. وليد أبو الدهب
مجانا عبر الانترنت