النفط الوفي

 " التغيير المفرط يخلق شقوق التمرد ".... ضع صديقى القارئ تلك الحكمة فى جيبك و امضى معى فى هذا المقال لتكتشف ان الولايات المتحدة الامريكية لم يكن لها صديقا وفيا فى النصف قرن الماضى كالنفط الذى صنع لأمريكا اكبر ثروه سياسية و اقتصادية فى تاريخ البشر...

و لنا ان تستحضر افعال اثنان من قادة امريكا و هما روبرت مكنمار وزير دفاع الولايات المتحده ( 1961- 1968 ) و الرئيس الامريكى باراك اوباما ( 2009- 2016 ) ... فهما يشكلان اقواس عنوان امريكى عريض للخمسين سنه الماضيه ....

اولا روبرت مكنمار مهندس غزو فيتنام الذى قال فى سبتمبر 1961 ( علينا ان نرغم الاتحاد السوفيتى على تغيير اولوياته من التنميه الى الامن ) ... و بالفعل تم العمل على هذا التوجه فأنشغل الاتحاد السوفيتى بسباق السلاح و الحروب الاقليميه التى كانت ذروتها فى ملعب فيتنام حيث الخسائر البشريه و الاقتصاديه الفادحه للقوتين ... الا ان امريكا وجدت السبيل للتعويض عن طريق فك ارتباط الدولار بالذهب على يد نيكسون و بدء اتفاق البترودولار لتوريد النفط من دول اوبك الى امريكا بالدولار فقط بعد حظر النفط فى حرب اكتوبر 1973و بعدها تبعتها دول العالم ليتسيد الدولار و تظل حكمة مكنمار تطبق حتى الان و لكن على دول كثيره، فتتدخل ادرات الولايات المتحده المتعاقبه لتخترع الاحداث و تدفع دولا ضد بعضها البعض و تمدهم بالسلاح لينشغلوا عن هدف التنميه و يضعوا قبله اولوية الامن ....

ثانيا باراك اوباما ،فما حدث فى عهد رئاسة هذا الرجل اشبه بالقنبله النوويه  سياسيا و اقتصاديا من حيث ثورات الربيع العربى و تفكك دول المنطقه و انهيار اسعار النفط الى قيم متدنيه للغايه دون الثلاثين دولار للبرميل ... ففى 2009 صرح اوباما ان ادارته تعمل على استكمال خفض استيرادها للنفط من دول الشرق الاوسط من 46 مليون برميل الى 27 مليون برميل شهريا و هذا ما حدث فى نهاية 2015 ... مبشرا بالطاقه النظيفه و تكنولوجيا النفط الصخرى ليصل به الامر فى خطاب حـــــالة الاتحاد فى يناير 2016 ان يقول ( امريكا اقوى امه فى العالم و الحديث عن اى تراجع اقتصادى امريكى هو خيــــال سياسى ) ....

امريكا تملك احتياطى نفطى معلن بنحو 21 مليار برميل هذا غير النفط المخبئ فى القباب الملحيه على  طول ساحل الخليج الامريكى ففى اربع مواقع تحتفظ امريكا باكثر من 700 مليون برميل من النفط تحت سطح الارض متوقع ان يصلوا الى مليار برميل بعد عام 2020.... و رغم رفع حظر تصدير النفط الامريكى فان الولايات المتحده لن تصدر فى وقت قريب لأن احتياطياتها المعلنه تكفيها فقط لسبع سنوات لتظل من اكبر دول العالم استهلاكا للنفط و لكن مع تدنى الاسعار ليتم توفير اكثر من 3 تريليون دولار امريكى من فروق اسعار النفط فى 2014 حتى الان و يحفز اكبر عمليات نقل الاموال فى التاريخ من المنتجيين الى المستهلكين كما اشار بنك اوف امريكا ... كما ان تدنى اسعار النفط لا يعيق النمو العالمى فى الدول المستهلكه للنفط  كما هو متصور، على عكس المنتجين الكبار الذين تأثرت اقتصادياتهم ...

و الجدير بالذكر ان فروقات النفط السعريه فى ( 2014-2015 ) ساعدت على انتشار الفقاعات الماليه فى اغلب ادوات الاستثمار فى اسواق العالم  ، فهبوط النفط افاد على المدى المتوسط مؤشرات الاسهم العالميه التى لامست ققمها التاريخيه خاصة فى الدول المستهلكه للنفط ... و المؤشر الامريكى DOW30 خير دليل على ذلك فقد عانق قمته التاريخيه عند مستوى  18668 نقطه

و ما بين رؤيه مكنمار التى تطبق حتى الان و سياسة اوباما المعقده كان يذهب النفط الى اسعار متدنيه تكشف تحالفات جديده للقضاء على الهيمنه الامريكيه مثل منظمة البريكس التى اوجدتها روسيا للتعامل بغير الدولار و كذلك دعوات متجدده لتخفيض الانتاج و اشياء اخرى تحت السطح حتى حل يناير 2016 باسعار قاسيه استشعرت السياسه الامريكيه فيها تغييرا مفرطا ربما يؤدى الى تمرد دولى و تثاقل اقتصادى يتحقق  قد لا تمسك بخيوطه و اسعار مخيفه تقترب من تكلفة انتاج النفط الصخرى الامريكى ... حينها نشطت السياسه الامريكيه و لكن من خلف الكواليس الرسميه لتظهر مساعى عقد اجتماعات التقاط الانفاس ليرتد النفط نحو 100% من ادنى اسعاره خلال الربع الاول من 2016 ... و ربما يكون الاجتماع النفطى فى الجزائر سبتمبر 2016 المحطه قبل الاخيره و قبل انتخاب رئيس امريكى جديد ايضا لأيجاد حل توافقى يرضى اطراف النفط بعد ان منحهم الوقت و السياسه فرصه تعديل مواقف قديمه ابرزها اقتراب وصول ايران لأنتاجها قبل فرض العقوبات فوق 4 مليون برميل يوميا ...

الان اخرج صديقى القارئ حكمه اول المقال من جيبك و تأملها فى كل مواقف امريكا السياسيه و الاقتصاديه لتعرف الحد الذى ينبغى ان تقف عنده الامور حتى يظل النفط الصديق الطيع و الوفى و المنقذ حتى خمسين عاما قادمه  لأقوى اقتصاد فى العالم ..