هل من الممكن رؤية الذهب عند مستويات 1900 من جديد؟

ارتفعت أسعار الذهب خلال تداولات اليوم، حيث دعم تراجع الدولار الآمريكي، الطلب على الملاذ الآمن بسبب تكثيف حالات الإصابة بفيروس كورونا دلتا وتخفيف الرهانات على التناقص التدريجي المبكر من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

فمن المنطقي أن ترتفع أسعار الذهب مع تزايد المخاوف الاقتصادي تجاه تباطؤ النمو في اقتصاد الدولي الآسيوية ودول كبرى مثل الصين واليابان والهند. ونستطيع أن نلاحظ بأن هنالك حالة من التوازن بين المتداولين بين طلب الأصول الاستثمارية في أسواق الأسهم، في الدول العظمى على وجه الخصوص، وبين طلب الملاذات الآمنة. 

أي محفظة استثمارية يحتاج مديرها أن يقوم بالاستحواذ على بعض الملاذات الآمنة، والتي منها الذهب أو السندات أو حتى الإبقاء على جزء نقدي أكبر من المعتاد من عملات الملاذ الآمن عندما نكون في حالة من التفاؤل إجمالاً في أسواق الأسهم، لكن مع وجود مخاطر اقتصادية محيطة في الاقتصاد العالمي.

من هنا، الارتفاع بالذهب سببه طلب الملاذ الآمن فعلاً بفعل مخاوف انتشار سلالة كورونا المتحورّة، كما أن التضخّم رغم أنه توقّف عن الارتفاع في الولايات المتحدّة، لكن من المحتمل أن يبقى مرتفع نسبياً خلال الفترة المقبلة في كثير من الدول في العالم.

يجدر الإشارة إلى أنه زيادة الطلب على الذهب والدولار وكذلك الين الياباني والفرنك السويسري يأتي من مصادر مختلفة، على سبيل المثال، التوتّر في أسواق الأسهم الآسيوية يقدّم دعماً للين الياباني، فيما توقعات تقليص برامج شراء الأصول في الولايات المتحدّة، يقدّم دعماً للدولار، بينما الفرنك السويسري معروف بأنه يستقطب طلباً لا بأس به عالمياً وسط المخاطر السياسية أو الاقتصادية.

أما عن استمرارية ارتفاع الذهب، نحن اليوم في انتظار تصريحات رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ويوم غد سننتظر صدور محضر اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وسيحاول المتداولون اشتقاق أي معلومات عن التوجهات المستقبلية للفيدرالي، مما قد يسبب تذبذب في الأسواق و ننتظر اليوم بيانات مبيعات التجزئة من الولايات المتحدّة الأمريكية، والتي من المحتمل أن تظهر انكماشاً في المبيعات الشهر الماضي قد تكون نسبته حوالي -0.2%، وهذا الانكماش في مبيعات التجزئة قد لا يكون الأوّل في الولايات المتحدّة الأمريكية لهذه السنة، حيث شهدنا انكماشاً لمرتين ونموّاً ضعيفاً.

حتى لو نظرنا إلى قيمة النمو السنوية، سنجد بأن آخر قراءة كانت تعبّر عن نمو نسبته 18%، وهذا بتباطؤ من أعلى قيمة وصلها قياسياً وصلها شهر أبريل الماضي عند 53.4%.

بالنسبة للإنتاج الصناعي، من المحتمل أن يستمر النمو في القطاع على مستوى شهري وأن نشهد قيمة نمو تبلغ 0.5%، لكن أيضاً شهد الإنتاج الصناعي السنوي انخفاضاً في وتيرة النمو من 17.6% إلى 9.8%.

وتؤكّد البيانات الاقتصادية بأن الاقتصاد بدأ بالتباطؤ فعلاً خلال الربع الثالث الجاري، بعد أن شهد نموّاً اقتصادياً بلغ 6.3% و6.5% للربعين الأوّل والثاني على التوالي من هذه السنة، لكن هذا لا يعني بأن الاقتصاد مهدد بالعودة للتدهور حالياً، لكن هذه البيانات قد تكون سبباً لتأكيد تباطؤ في وتيرة التعافي الكبيرة التي حصلت سابقاً.

أما تصريحات رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي، فهي جلسة عبر الانترنت، ومن غير المحتمل أن يقدّم الكثير من المعلومات الجديدة عن توجهات الفيدرالي، بل من المحتمل أن يؤكّد على التوجّه من الفيدرالي لبدء خفض برامج الأصول الأشهر المقبلة، لكن مع استمرار حاجة الاقتصاد للتحفيز بفعل انتشار متحوّرات دلتا.

يجب أن نراعي في بيانات اليوم النتائج بالنسبة لمبيعات التجزئة وكذلك الإنتاج الصناعي، إذ أن بيانات أسوأ من المتوقع قد تضعف الدولار الأمريكي وتدفع الذهب للصعود، لكن تأثير ذلك سيكون محدوداً على أسواق الأسهم، لأنه كلما كانت البيانات أكثر ضعفاً في الولايات المتحدّة في الوقت الراهن، فستدل على أن الفيدرالي ستكون تقليصاته طفيفة وعلى أشهر عديدة، مما سيبقي على الدعم الإجمالي لأسواق الأسهم.

لكن بيانات أقوى من المتوقع، قد تكون سبباً لزيادة احتمالات تقليص برامج شراء الأصول ومنها تدفع الدولار للارتفاع فيما أسعار الذهب قد تشهد ضغطاً هابطاً بفعل ذلكسعار.

أما فنيّاً، في حالة نجاح الذهب في الاستقرار فوق 1815 التي تعتبر أقرب المقاومات الهامة على السعر، لإثبات امتداد الاتجاه الصاعد وإعادة اختبار قمّة نطاق تداول الشهر الماضي حول 1832، والتي بالثبات فوقها قد نشهد مزيداً من الارتفاع.

لكن، فشل الأسعار بالثبات فوق 1815 قد يكون سبباً لتوقّف الموجات الصاعدة، فالمستثمرون والمتداولون في الذهب حالياً حسّاسون جداً لتوقف الموجات الصاعدة، فارتفاع الدولار قد يجعل المستثمرين يتخلّون عن مراكزهم الشرائية على الذهب في حال بدى بأن المعدن الثمين لا يمتلك العزم الصاعد الكافي للاستمرار في صعوده.