النموذج البرازيلي .. التحول من الفقر إلى أكبر الاقتصادات العالمية في 10 سنوات

النموذج البرازيلي .. التحول من الفقر إلى أكبر الاقتصادات العالمية في 10 سنوات

في عام 1930 استولى العسكريون على حكم  البرازيل وبدأت مرحلة من القمع والاعتقالات والأزمات الاقتصادية والحرب الأهلية مع توالي الحكومات العسكرية، وفي عام 1964 أصبحت الأحوال أكثر سوءاً بعد استيلاء الجيش على الحكومة بشكل كامل.

ومنذ تولي الجنرال "برنستو جيسيل" في منتصف السبعينيات هدأت الأحوال نسبياً وبدأ التحول التدريجي نحو الحكم المدني ثم أعقبه في الحكم الجنرال "جون فيجوريدو"  في منتصف الثمانينيات الذي نهج نفس طريقه، أي أن البرازيل شهدت عشر سنوات كمرحلة انتقالية بين النظام العسكري والنظام المدني، وبداية من عام 1985 تعاقب الرؤساء المدنيين على حكم البرازيل، كان أولهم "خوسيه سارني".

تبنت الحكومة البرازيلية في فترة السبعينيات سياسات رأسمالية تهدف إلى الدفاع عن مصالح رجال الأعمال واصحاب الشركات دون الاهتمام بالطبقات الفقيرة، وحاولت قدر الإمكان تجنب انتشار السياسة الشيوعية، إضافة إلى اقتراضها من الخارج لتنفيذ المشروعات التنمية، فنتج عن ذلك ديون اقتصادية كبيرة شكلت أعباء على الأجيال اللاحقة. أعقبها فترة الثمانينيات التي شهدت محاولة السيطرة على معدلات التضخم المرتفعة وتراجع معدلات النمو.

السياسات الاقتصادية في فترة الحكم المدني:

بعد أن تم تسليم السلطة تدريجياً للمدنيين، اتبعت الحكومات المدنية خلال فترة التسعينيات سياسات رأسمالية تعتمد على الانفتاح الاقتصادي وسياسات السوق المفتوح والخصخصة فارتفعت مؤشرات الاقتصاد الكلي بينما لم يكن تقدماً حقيقياً للاقتصاد، أي أن هذه السياسات تسببت في خسائر كبيرة للمنتجين المحليين فساهمت في ارتفاع نسبة البطالة وتراجع الإنتاج المحلي والتصدير، فكانت النتيجة ارتفاع معدلات الفقر التي كانت مرتفعة بالأساس.

تولى الرئيس "كاردوسو" حكم البرازيل في الفترة (1995- 2002) قام في هذه الاثناء بمحاولات إصلاحية عديدة، فوضع خطة تهدف لدمج الاقتصاد المحلي والعالمي، واتجهت محاولاته نحو سياسة السوق الحر والاقتراض من الخارج فارتفع الدين الخارجي في عهده من 150 إلى 250 مليار دولار، أدى تضخم الدين الخارجي إلى إلى انعدام الثقة في الاقتصاد البرازيلي سواء من الجهات الدولية المانحة أو المستثمرين المحليين والأجانب.

وزاد سوء الأوضاع الاقتصادية عندما قرر كاردوسو طرح سندات الدين الداخلي بفوائد مرتفعة، حيث أقبل عليها المستثمرين في مقابل التخلي عن الاستثمار المنتج فارتفع الدين الداخلي بنسبة 900%.

نموذج التحول من الفقر إلى قائمة أكبر 10 كيانات اقتصادية على مستوى العالم:

اُسند حكم البرازيل إلى الرئيس "لولا دي سيلفا" في عام 2003 حتى عام 2012، كانت البلاد تعاني من مشكلات اقتصادية متعددة أبرزها مشكلة الديون إلى جانب المشكلات الاجتماعية مثل الفقر والجوع والتسرب من التعليم وانتشار الجريمة وتجارة المخدرات.

نفذت الحكومة البرازيلية تحت حكم لولا دي سيلفا برنامج للتقشف وفقاً لخطة صندوق النقد الدولي مما ساهم في خفض عجز الموازنة وارتفاع التصنيف الائتماني للبرازيل وبالتالي القضاء على أزمة انعدام الثقة، فارتفع معدل الاستثمار والطاقة الإنتاجية للدولة وهو ما يعني توفير فرص عمل جديدة والمساهمة في حل مشكلة الفقر.

كما عمدت الحكومة تغيير سياسات الاقتراض بتنفيذ إجراءات تسهيلية، فتم خفض الفائدة من 13.25% إلى 8.75%، شجعت هذه التسهيلات إقامة المشروعات الصغيرة وتوفير فرص عمل ورفع مستوى الطاقة الإنتاجية ايضاً.

توجه الاهتمام نحو الصناعة على مستويين أساسيين، أولهما مستوى الصناعات البسيطة القائمة على المواد الخام مثل التعدين والصناعات الغذائية والنسيج، أما المستوى الثاني يتمثل في الصناعات التقنية المتقدمة. وتمكنت البرازيل في أواخر العقد الماضي من صناعة السيارات والطائرات.

كما ركزت الحكومة البرازيلية على الاستفادة من الطبيعة النادرة التي تمتلكها من غابات وشواطيء وجبال لجذب الزائرين وتنشيط قطاع السياحة، وابتكرت نوع جديد من السياحة يعرف بسياحة الكرنفالات، فأصبحت تستقبل 5 ملايين سائح سنوياً.

نأتي إلى أهم جانب من جوانب خطة الإصلاح الاقتصادي والذي تضمن تحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق سياسة الإعانة البرازيلية المعروفة باسم "بولسا فاميليا"، وجدير بالذكر أنها بدأت منذ فترة حكم كاردوسو واستمرت في حكم لولا دي سيلفا. يقوم البرنامج على إعطاء معونات مالية للأسر الفقيرة بهدف رفع مستواها الاجتماعي. بلغ عدد الأسر المستفيدة من الإعانات 11 مليون أسرة ما يعادل 33% من الشعب البرازيلي، فتمكن لولا من تقليص الفارق بين الطبقات الاجتماعية عن طريق رفع الحد الأدنى للأجور وإعطاء الإعانات وليس عن طريق التأميم، فلم يمس ممتلكات الأغنياء بل عمل على تحسين قاعدة المجتمع.

وفي عام 2009 شكلت البرازيل مجتمعة مع الهند والصين وروسيا وانضمت لهم جنوب إفريقيا في 2010 مجموعة البريكس (BRICS) بهدف تحسين النمو الاقتصادي ومنافسة أغنى دول العالم.

فأصبح الاقتصاد البرازيلي في فترة لا تزيد عن عشر أعوام من اقتصاد ضغيف ومثقل بالديون يواجه العديد من المشكلات على كافة المستويات إلى واحد من أكبر الاقتصادات العالمية، وتستكمل "دلما روسيف" الرئيس الحالي للبرازيل مسيرة النمو التي بدأها لولا دي سيلفا في العقد الماضي.

 

 

 

 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image