إلى أين سيتجه اليورو دولار؟ كل ما تحتاج معرفته في تقرير واحد

إلى أين سيتجه اليورو دولار؟ كل ما تحتاج معرفته في تقرير واحد

بعد تراجع الدولار بشكل قوي خلال الربع الأول من العام وبداية تراجع توقعات رفع الفائدة الأمريكية في وقت قريب، كان لابد من إلقاء نظرة شاملة على الوضع الاقتصادي بشكٍل عام ولهذا سوف يساعدك هذا التقرير على فهم الوضع الاقتصادي الأمريكي ونظيره الأوروبي وكيفية تأثيره على الزوج يورو دولار على المدى المتوسط والطويل وفيما يلي أبرز النقاط التي سوف نلقي عليها الضوء:

  • أسباب انخفاض اليورو بشكل قوي منذ مايو 2014
  • ظهور الأزمة اليونانية
  • أسباب استقرار اليورو في هذا النطاق الحالي
  • توقعات اقتصاد منطقة اليورو وتأثيرها على اليورو
  • الوضع الاقتصادي الأمريكي وتأثيره على رفع الفائدة

أسباب انخفاض اليورو بشكل قوي منذ مايو 2014

كان تراجع معدلات التضخم في منطقة اليورو والتي تتمثل في مؤشر أسعار المستهلكين هي العامل الرئيسي وراء قرارات البنك المركزي الأوروبي والتي بدأت بخفض معدلات الفائدة في يوم 5 يونيو من 0.25% إلى 0.15% ولكن لم يدعم هذا القرار النمو الاقتصادي بشكل قوي ولهذا قام البنك بخفض الفائدة مرة أخرى إلى 0.05% في 4 سبتمبر الماضي تمهيدًا لبدء برنامج التيسير النقدي حيث لم تعمل أداة خفض الفائدة في رفع معدلات التضخم في المنطقة وبالفعل منذ بدء برنامج التيسير النقدي في شهر مارس بقيمة 1.1 تريليون يورو (60 مليار يورو شهريًا) تشهد معدلات التضخم بعض التحسن كما هو موضح:

وقد شهدت بعض التحسن الطفيف اليوم من -0.1% إلى 0.0%.

ويهدف البنك المركزي الأوروبي من خلال هذا البرنامج دفع معدلات التضخم إلى الهدف المحدد لها عند 2% وقد أفاد البنك بأن يستمر هذا البرنامج حتى سبتمبر 2016 لتحقيق هذا الهدف. وقد أدى هذا البرنامج إلى تراجع عائدات السندات الحكومية وسندات الشركات بالإضافة إلى تراجع قيمة اليورو مما  يشجع الاستثمار وزيادة القدرة التنافسية للصادرات الأوروبية. وكانت ألمانيا هي المستفيد الأكبر من انخفاض تكاليف الاقتراض وتراجع قيمة اليورو.

ومن أحد الأسباب الهامة أيضًا لتراجع اليورو دولار هو اختلاف توجهات السياسة النقدية بين المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي الأمريكي حيث يتبع البنك المركزي الأوروبي سياسية تسهيلية على عكس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي يتجه إلى تشديد السياسة النقدية والذي بدء أولى خطواته بإنهاء التيسير النقدي في أكتوبر الماضي بعدما ضخ إجمالي 4.5 تريليون دولار منذ نهاية عام 2008 لتكون الخطوة التالية هي رفع معدلات الفائدة والتي سوف تعتمد على تحسن البيانات الاقتصادية كما أشار البيان الأخير.

واللافت للانتباه أن المركزي الأوروبي يهدف  إلى زيادة الموازنة العامة إلى 3 تريليون يورو.

 

ظهور الأزمة اليونانية

عقب انضمام اليونان للاتحاد الأوروبي عام 2001 أدت سلسلة من القرارات الخاطئة في البلاد إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية فقد ساعدها انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي بمعدلات فائدة منخفضة (0.25% في هذا الوقت) على إقراض مبالغ ضخمة وفي الوقت نفسه زاد حجم الدين العام من خلال رفع الأجور والمعاشات بدلًا من تمويل القطاعات الضرورية وانتشر التهرب الضريبي وبلغ حجم الدين 113% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2009 ويبلغ حاليًا 175% وتفاقمت الأزمة مع خفض التصنيف الائتماني للسندات اليونانية مما أثر بالسلب على معدلات الاستثمار وتراجعت ثقة الأعمال واستمر الأمر بهذا النحو حتى تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل قوي وارتفعت معدلات البطالة إلى 28% وتعرض البلاد إلى خطر الإفلاس.

تمثل الأزمة اليونانية أكبر مشاكل منطقة اليورو في الوقت الحالي وتلعب دورًا هامًا في تحديد الثقة في الاتحاد الأوروبي حيث أن إفلاس اليونان واحتمالية خروجها من منطقة اليورو يثير مخاوف المستثمرين من تعرض أي دولة لضائقة مالية وعدم حصولها على أي مساعدات مما يشير إلى احتمالية تكرار هذا السيناريو فيما بعد.

وفي الوقت الحالي يحاول كلًا من الحكومة اليونانية والاتحاد الأوروبي إلى التوصل إلى اتفاق يرضي الطرفين ولكن يبدو أن كلًا من الطرفين متمسك بقرارته ولا يريد التنازل عن أية بنود ومن أبرز نقاط الخلاف:

يرغب الدائنين من الحكومة اليونانية تقديم لائحة إصلاحات تتضمن تدابير تقشفية تتمثل في خفض الإنفاق الحكومي على الرواتب والمعاشات وهذا يتعارض مع وعود الحملة الانتخابية للحكومة الحالية ولهذا لا تستطيع عدم الإيفاء بها مما قد يضطر البرلمان اليوناني إلى سحب الثقة من هذه الحكومة وإعادة الانتخابات.

وقد كان للأزمة اليونانية تأثير على ثقة الاقتصاد الألماني فقد تراجع مؤشر الثقة للمرة الأولة منذ ستة شهور من 54.8 إلى 53.3 بالإضافة إلى تراجع طلبات المصانع خلال أول شهرين من العام الجاري.

 

أسباب استقرار اليورو في النطاق الحالي

يرجع تعافي اليورو أمام الدولار واستقراره في النطاق الحالي إلى عاملين مهمين:

أولًا:

  • توقعات البنك المركزي الأوروبي بتعافي معدلات التضخم على المدى المتوسط
  • فعالية التيسير النقدي في تحفيز النمو الاقتصادي بمنطقة اليورو
  • تلاشي المخاطر الانكماشية بعد قرارات المركزي الأوروبي الأخيرة
  • السيولة الطارئة التي يقدمها المركزي الأوروبي لليونان تقلل من المخاوف المتعلقة بالأزمة اليونانية وقال البنك أن سقف السيولة الطارئة هو 110 مليار يورو.

بالإضافة إلى أن  انخفاض معدلات التضخم عمل على دعم الإنفاق الشخصي وارتفاع مبيعات التجزئة بوجهٍ عام وقد ارتفع معدل الإنفاق الاستهلاكي بما يقرب من ضعف إجمالي الناتج المحلي ليدعم نمو اقتصاد منطقة اليورو بوجهٍ عام. كما سجلت ثقة المستهلكين أعلى مستوياتها منذ عام 2008 مدعومة بتحسن القدرة التنافسية للمصانع نظرًا لانخفاض قيمة اليورو وارتفع المعروض النقدي الذي يقيس العملة المحلية في الدورة الاقتصادية مما يدل على فعالية التيسير النقدي أيضًا.

ثانيًا:

ضعف البيانات الاقتصادية الأمريكية خلال الربع الأول من العام الجاري وخاصة تراجع مؤشر أعداد التوظيف بالقطاع غير الزراعي دون المستوى 200 ألف للمرة الأولى منذ سبتمبر الماضي خلال شهر مارس والتي تعد الأسوأ منذ شهر فبراير 2014 وتراجع حجم الإنتاج الصناعي والتصنيعي مما أثار الشكوك حول رفع الفائدة خلال النصف الثاني من العام الجاري حيث أن قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بشأن رفع الفائدة يعتمد في المقام الأول على البيانات الاقتصادية ومن أبرزها سوق العمل ومعدلات التضخم والإنفاق.

وبالطبع تراجعت توقعات رفع الفائدة هذا العام في ظل ضعف البيانات، وقد كانت هذه التوقعات هي الداعم الرئيسي لارتفاع الدولار منذ إنهاء التيسير النقدي في شهر أكتوبر الماضي.

وقد ظهرت مؤخرًا ضغوط جديدة على قرار رفع الفائدة ومن أهمها قيمة الدولار المرتفعة الحالية وإضرارها بقطاع الصادرات وأرباح الشركات ومن أبرز الشركات التي تأثرت بارتفاع الدولار شركة بروكتر وغامبل ومايكروسوفت وفايزر وجووجل.

ولتوقع موعد رفع الفائدة علينا مراقبة بيانات التضخم وبيانات سوق العمل والتي تشمل مؤشر أعداد الوظائف بالقطاع غير الزراعي ومعدل نمو الأجور ومؤشرات الإنفاق نظرًا لأن سياسة الاحتياطي الحالية هي " الاعتماد على البيانات الاقتصادية في المقام الأول" . بالرغم من ذلك لا يزال الاقتصاد الأمريكي هو الأفضل والأقرب لرفع الفائدة.

 

توقعات اقتصاد منطقة اليورو وتأثيرها على اليورو أمام الدولار

بالرغم من تحسن بعض بيانات منطقة اليورو بشكل طفيف منذ بدء التيسير النقدي إلا أنه من المتوقع أن يستمر برنامج التيسير النقدي إلى ما بعد سبتمبر 2016 حتى تحقيق هدف معدلات التضخم وهذا ما أكد عليه ماريو دراجي عندما قال لأحد الصحفيين " أن موعد إنهاء التيسير النقدي سوف يكون معتمدًا أيضًا على الأوضاع الاقتصادية" مما يعني أنه طالما كانت معدلات التضخم بعيدة عن الهدف 2% فإن ذلك يعني استمرار التيسير النقدي ويجب ملاحظة أن التيسير النقدي قد استمر في الولايات المتحدة لست سنوات ولم يصلوا إلى هدف التضخم 2% فما بالك بمنطقة اليورو والتي يأملون في إنهائه بعد حوالي عامين بالإضافة إلى أن كل دولة في منطقة اليورو لديها الطابع الاقتصادي الخاص بها ومع وجود أزمات اقتصادية مثل اليونان فمن المتوقع أن يستمر إلى ما بعد هذا الموعد.

وفي ظل هذا الاختلاف بين السياسات النقدية بالاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والمركزي الأوروبي واستمرار برنامج التيسير النقدي، فقد يصل اليورو دولار إلى المستويات 1.00 خلال العام الجاري و 0.95 على المدى الطويل في حالة رفع الفائدة الأمريكية.

 

الوضع الاقتصادي الأمريكي وتأثيره على رفع الفائدة

انزلق الاقتصاد الأمريكي في حالة من الركود بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 والتي كانت السبب الرئيسي في بدء الاحتياطي الفيدرالي برنامج التيسير النقدي في أواخر 2008 لتحفيز النمو الاقتصادي من خلال المرحلة الأولى بقيمة 600 مليار دولار وقد بلغ 2.1 تريليون دولار في يونيو 2010 وفي شهر نوفمبر 2010 أعلن الاحتياطي عن بدء المرحلة الثانية بقيمة 600 مليار دولار أخرى وكانت المرحلة الثالثة والأخيرة في سبتمبر 2012 وتم إنهاء البرنامج بأكمله في عهد يلين محافظ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في أكتوبر 2014 بعد تحسن الاقتصاد الأمريكي وبدء وجود علامات تشير إلى أن الاقتصاد لم يعد بالحاجة إلى هذا البرنامج.

وحتى الآن يبدو أن التعافي الاقتصادي الأمريكي مستمرًا حتى وإن شهدت بيانات الربع الأول من العام بعض الضعف بسبب تراجع أسعار الطاقة وارتفاع قيمة الدولار وسوء أحوال الطقس.

سوق العمل: تحسنت أوضاع سوق العمل بشكل قوي ولكن يستدعي القرار المزيد من التحسن، يجب مراقبة بيانات التوظيف والأجور خلال الفترة المقبلة فإن استقر مؤشر التوظيف أعلى المستوى 200 ألف وارتفعت الأجور ومعدلات الإنفاق خلال الشهرين المقبلين فلن يتردد الاحتياطي في الحديث عن موعد رفع الفائدة.

معدلات التضخم: بالرغم من انخفاض معدلات التضخم إلا أن قرار الاحتياطي سوف يعتمد على الثقة في ارتفاع معدلات التضخم وليس وصولها إلى الهدف المحدد لها أولًا عند 2% حيث يرى الاحتياطي أن تراجع معدلات التضخم الأخير يرجع إلى وجود عوامل مؤقتة ومن أهمها تراجع أسعار الطاقة وسوف تشهد ارتفاعًا بمجرد زوالها على المدى المتوسط.

بالنسبة لقيمة الدولار الحالية، فضلًا عن تحسن الاقتصاد الأمريكي، قد يرجع ارتفاعها القوي إلى السياسة التسهيلية التي تتبعها البنوك المركزية العالمية مما جعل معظم العملات تتراجع بشكل قوي مقابل الدولار، إلا أن الاحتياطي الفيدرالي لم يعرب عن قلقه إزاء القيمة الحالية للدولار مما يشير إلى أنه لن يؤثر على قرار رفع الفائدة، وقالت يلين ان ارتفاع قيمة الدولار الحالية تعكس قوة الاقتصاد الأمريكي فحسب.

اللافت للانتباه أن بيانات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابقة تشير إلى اتجاهه إلى التشديد النقدي حيث اعتدنا فيما سبق أن نرى جملة "الإبقاء على معدلات الفائدة لفترة من الوقت" ثم تحولت إلى " التحلي بالصبر تجاه رفع الفائدة" ثم تم حذف تلك الجملة ليعتمد القرار حاليًا على البيانات الاقتصادية بالإضافة إلى أن تصريحات يلين الأخيرة اشارت إلى احتمالية رفع الفائدة بنهاية العام الجاري... ولذلك يبدو أن الاحتياطي يستعد لهذا القرار ولكن بشكل غير مباشر لكي لا يؤثر على الأسواق بشكل قوي. ومن غير المتوقع أن تتحدث يلين بشكل واضح عن الموعد المحدد لرفع الفائدة بالتحديد وإنما تركت الأمر للأسواق والبيانات الاقتصادية.

وكان الوضع سيختلف كثيرًا في حالة عدم تراجع أسعار النفط التي تؤثر بالسلب على معدلات التضخم، لكان التعافي الاقتصادي أكثر انتعاشًا واقترب موعد رفع الفائدة الأمريكية ولكن علينا مراقبة البيانات وتوجهات السياسة النقدية لكلًا من الولايات المتحدة وبقية الاقتصادات المتقدمة ولا سيما الاقتصاد الصيني الذي يؤثر على النمو العالمي بوجهٍ عام.


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image