هل بات اليورو زهيدًا؟

للمرة الأولى منذ 5 أيام من التداول يغلق اليورو على ارتفاع مقابل الدولار الأمريكي. ومع ذلك، لم تصدر أي بيانات اقتصادية أوربية بالغة الأهمية اليوم، إلا أن الضعف الذي أضحى عليه اليورو شرع في الضغط على صناع السياسة. تجدر الإشارة إلى أنه على مدار الشهر الماضي، تداعى اليورو بنسبة 8% أو 1100 نقطة، ليصل إلى أدنى مستوى له على مدار 4 سنوات عند 1.2234. ووفقًا للعديد من التقارير والبيانات المعتمدة الصادرة من جهات معلومة على غرار لجنة تداول عقود السلع الآجلة، بات واضحًا أن المستثمرين والمتداولين يفرون من اليورو متجهين صوب عملة الملاذ الآمن الدولار الأمريكي. ومن الأسئلة بالغة الأهمية التي نطرحها اليوم، ما الذي كان المتداولون يصنعونه، وما الذي يتعين عليهم صنعه قدمًا؟ تشير الحركة السعرية إلى أن المستثمرين يتخلصون فعليًا من اليورو، إلا أن عمليات التداول صارت مزدحمة للغاية، وهو ما يعني أن خطورة ضغوط البيع مرتفعة للغاية. من ناحية أخرى، أصدر البنك المركزي الأوربي فعليًا تفاصيل برنامج شراء السندات، ورغم كونه أمرًا مشجعًا إلا أنه لم يخلف انطباعًا جيدًا. وحتى الآن، أنفق البنك 16.5 مليار يورو، علاوة على أنه سيتجه إلى إنفاق المبلغ ذاته عبر عطاءات الأسبوع الواحد. وعلى اعتبار عظم حجم الاحتياطات الناجمة عن المزادات النظامية غير المحدودة، إلا أن عملية تطهير الدين ليست أكثر من حركة رمزية للتقليل من أهمية العملية. وشدد البنك المركزي الأوربي على أن قراره بشراء السندات الحكومية لا يعادل العودة إلى برامج التسهيلات النقدية (وهذا ليس أكثر من كلامًا من وجهة نظرنا). وفي هذا المساء، نرى أنه يوجد أمام المجموعة الأوربية فرصة أخرى لدعم اليورو، فوزارة المالية بمنطقة اليورو سيعقدون اجتماعًا في بروكسل لنقاش ردة فعل السوق حيال خطة الإنقاذ المالية، والتطورات الحادثة في اليونان، وإسبانيا، والبرتغال، والبرامج المالية سرعة الوتيرة، واليورو. ومن جانبه، أفاد رئيس وزراء لوكسمبورج جانكر بأن "الوزراء سيناقشون قضية اليورو بكثافة"، وربما تكون هذه طريقة لتحذيرنا بأن هذه المباحثات قد تفضي إلى فعل ما. ويعد السبب الوحيد الذي يقف وراء استقرار زوج (اليورو/ دولار) اليوم هو احتمالية خروج بيان جديد من صناع السياسة النقدية الأوربية. وبناء عليه، فإن إجابة التساؤل الثاني المتعلق بما الذي يتعين على المستثمرين القيام به خلال الفترة المقبلة هو الاستعداد لضغوط عمليات البيع. وإذا ما قرر صناع السياسة التدخل ماديًا أو لفظيًا في اليورو، فمن الممكن أن تشهد العملة ارتفاعًا شديدًا يصل إلى 100 نقطة. من ناحية أخرى، فإن التدخل في أمر العملة لن يعالج جذور المشكلة والتي تتمثل في قدرة البلاد التي تعاني من عظم حجم الدين لديها في الوفاء بمديوناتها.

هل بات اليورو زهيدًا؟
يلوح أمامنا تساؤل آخر، ألا وهو هل جعل الهبوط الذي طال اليورو العملة زهيدة؟ من منظور تعادل القوى الشرائية، لا تزال قيمة اليورو أعلى بنسبة 9% مقابل الدولار الأمريكي، و10.5% مقابل الجنيه الإسترليني. وينطوي على هذا الأمر أن العملة حتى الوقت الحالي تعد بعيدة كل البعد عن كونها زهيدة من منظور التقييم، ولكن على اعتبار ارتفاع قيمتها بنسبة 25% مقابل الدولار الأمريكي في شهر نوفمبر الماضي، فنرى أنها قد تهادت كثيرًا فعليًا. من ناحية أخرى، تقل أمور التقييم على المدى القصير، وذلك نظرًا إلى أنه يمكن زيادة تقييم العملة أو خفضها لفترات طويلة من الوقت. أما من وجهة النظر الأساسية، فإنه يتعين علينا إدراك أن اليورو لم يتم بيعه نظرًا لمخاوف التقييم الحالية، بل نظرًا لتوقعات النمو والمخاوف المتعلقة بمدى استمرار عمر الاتحاد النقدي ككل، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى العملة من ارتفاع قيمتها إلى الانخفاض. من ناحية أخرى، لا يعد اليورو زهيدًا من منظور التقييم، وحتى لو كان هذا صحيحًا، فإن هذا الأمر لا يهم. وبعيدًا عن بيان وزارء مالية الاتحاد الأوربي، من المنتظر صدور قراءة مؤشرات اقتصادية أوربية مثل مؤشر ZEW لثقة المستثمر، ومؤشر أسعار المستهلكين بمنطقة اليورو وميزان التجارة الأوربي. ومن المتوقع أن تتأثر ثقة المستثمر بالسلب نتيجة لأزمة الدين السيادي. وإا ما قامت البنوك المركزية على غرار روسيا بالتخلص من اليورو لصالح الدولار، حينها يمكننا أن نشك بأن يُقدم الآخرين على ذلك أيضًا.

 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image