دراسة العلاقة بين تحركات العملات وأسعار السلع

إن توقع حركة الأسواق هو المفتاح الرئيسي لخلق النقود بالأسواق، ولكن يزداد الأمر صعوبة عند وضع هذا المفهوم في حيز التنفيذ. هذا، ويدرك تجار العملات المحترفون بأن تجارة العملات تتطلب البحث فيما وراء أسواق العملات بناء على الحقيقة القائلة بأن هناك عوامل مختلفة تتحكم في حركة العملات وهى العرض والطلب و السياسة و معدل الفائدة و النمو الاقتصادي. ونظرا لارتباط النمو الاقتصادي والصادرات بالصناعة المحلية، إذن فمن الطبيعي أن ترتبط العملات بأسعار السلع. وهناك ثلاثة من العملات ترتبطهم علاقة وثيقة بالسلع ألا وهم الدولار الأسترالي و الدولار الكندي و الدولار النيوزيلندي. في حين ينخفض ارتباط عملات أخرى بالسلع مثل الفرنك السويسري والين الياباني. وبمعرفة تلك العلاقات فسيستطيع التجار التنبؤ بحركة الأسواق. وهنا سنتحدث عن علاقة العملات بسلعتي النفط والذهب وكيف يمكن استخدام تلك المعلومات في عمليات التداول.


النفط والدولار الكندي


خلال السنوات الماضية، تذبذبت أسعار السلع بشكل ملحوظ. فعلى سبيل المثال، ارتفع النفط من 60 دولار للبرميل في عام 2006 إلى 147.27 دولار للبرميل عام 2008، قبل أن يتراجع مرة أخرى دون مستوى 40 دولار للبرميل في الربع الأول من عام 2009. ومن ناحية أخرى، ارتفعت أسعار الذهب إلى أعلى المستويات عند 1,033 للأوقية في مارس 2008 قبل أن تنخفض دون مستوى 700 دولار في يونيو من نفس العام. وفي ظل الكساد الاقتصادي الذي تعاني منه الدول، فيمكن معرفة اتجاه أسعار العملات من خلال الفرق بين التدهور الاقتصادي الحاد و الانتعاش السريع.


ويعد النفط من السلع الضروروية في العالم، على الأقل حتى الآن، حيث لا يستطيع معظم الأفراد في جميع أنحاء العالم العيش بدونه. وفي فبراير 2009، سجل سعر النفط انخفاضا بواقع 70% من أعلى المستويات المحققة في 11 يوليو 2008 عند 147.27 دولار. ويعد هبوط أسعار النفط بمثابة كابوس لمنتجي النفط ، في حين يستمتع مستهلكيه بذلك الانخفاض حيث تزداد قوتهم الشرائية. وهناك العديد من الأسباب أدت إلى انخفاض أسعار الطاقة ومنها ارتفاع الدولار ( النفط يقيم بالدولار) و ضعف الطلب العالمي. وتجدر الأشارة إلى تضرر كندا - كمصدر للبترول - بشدة من انخفاض تلك الأسعار، في حين استفادت اليابان - كمستورد للبترول - من ذلك الانخفاض.


خلال الفترة بين عام 2006- 2009، وصلت درجة الارتباط بين الدولار الكندي و أسعار الطاقة إلى 80%. وعلى أساس يومي، يمكن ألا تنطبق تلك العلاقة، ولكن على المدى البعيد تنطبق تلك العلاقة بشدة حيث ترتفع درجة حساسية الدولار الكندي لأسعار الطاقة. وتحتل كندا المرتبة السابعة من حيث انتاج النفط الخام وتعمل على التقدم على صدر تلك القائمة، حيث يزداد انتاجها النفطي. وفي عام 2000، تفوقت كندا على السعودية كمورد للنفط للولايات المتحدة. وما لايعرفة الكثير أن احتياطي النفط بكندا يحتل المرتبة الثانية بعد السعودية. علاوة على ذلك، أدى التقارب الجغرافي بين كندا والولايات المتحدة و تنامي الاضطرابات السياسية بالشرق الأوسط و جنوب أمريكا إلى جعل كندا من المناطق المحببة للولايات المتحدة لاستيراد البترول. ولكن لا تخدم كندا الطلب الأمريكي فقط، ولكنها حظيت بكثير من الانتباه من الصين، خاصة منذ أن وجدت كندا مخزن جديد للنفط، الأمر الذي يجعل الدولار الكندي عرضة للتأثر بهبوط النفط الخام باستمرار.


ويشير الشكل البياني التالي إلى العلاقة بين النفط والدولار الكندي. وفي الحقيقة، فليس من المفاجيء أن تعمل أسعار النفط كمؤشر رائد لحركة سعر زوج (الدولار/ دولار كندي)، وبالتالي إذا ارتفعت أسعار النفط، انخفض زوج ( الدولار/ دولار كندي) والعكس صحيح.

 

""

 

النفط و الاقتصاد الياباني


بات واضحا أن اليابان تستورد كل احتياجاتها من البترول بعكس الولايات المتحدة التي تستورد 50%؟ وفي عام 2009، تعد اليابان ثالث مستورد للنفط الخام بعد الولايات المتحدة و الصين. ونظرا لنقص الموارد الطبيعية المحلية باليابان و حاجتها الملحة إلى استيراد ذلك النفط الخام، فإنها عرضة للتأثر بالتغيرات في أسعار البترول. علاوة على ذلك، تفتقر اليابان إلى المرونة إلى التحول إلى الطاقة النووية، لأنها على الرغم من امتلاكها لمفاعل نووي إلا أنها تعد المستورد الأكبر لليورانيوم. وفي عام 2008، اعتمدت اليابان على واردات الطاقة الأولية لدرجة تصل إلى أكثر من 84%. ويحتل النفط 49% من احتياجات الطاقة بها وبالتالي عندما ترتفع أسعار النفط، يتضرر الاقتصاد الياباني.


زوج (الدولار كندي/ ين)


ومن منظور الدولة المصدرة و المستوردة، فإن زوج (الدولار كندي/ ين) يحتل قائمة الأزواج التي يمكن تداولها وفقا لأسعار الطاقة. ويشير الرسم البياني التالي إلى العلاقة الوثيقة بين أسعار النفط و زوج (الدولار كندي/ ين) حيث تعد تلك الأسعار مؤشر رائد لذلك الزوج. وخلال تلك الفترة مع استمرار انخفاض أسعار النفط، كسر زوج (الدولاركندي/ ين) حاجز 100 ليصل إلى 76.

 

""

 

الذهب


ويتعجب تجار الذهب من سماع أن تداول الدولار الأسترالي مثل تجارة الذهب في عديد من الحالات. جدير بالذكر أن قوة الارتباط بين الدولار الأسترالي وهذا المعدن النفيس تصل إلى 84% للفترة من 1999 و 2008، حيث تحتل أستراليا المرتبة الثالثة على العالم من حيث انتاج الذهب. وهذا يعني أنه عندما ترتفع أسعار الذهب، يرتفع الدولار الأسترالي بالمثل. وفي ظل التقارب الجغرافي بين أستراليا ونيوزيلندا، فتعتبر أستراليا هى الجهة المفضلة للصادرات النيوزيلندية. لذلك فإن صحة الاقتصاد النيوزيلندي ترتبط بشدة بصحة الاقتصاد الأسترالي، مما يفسر العلاقة الإيجابية بين زوجي (الدولار النيوزيلندي/ دولار) و ( الدولار الأسترالي/ دولار) تصل درجتها إلى 96% خلال الفترة المذكرة آنفًا. ومع ذلك، يربط بين زوج (الدولار النيوزيلندي/ دولار) و الذهب علاقة بتصل درجتها إلى 78% وإن كانت بدرجة أقل من قوة ارتباط الذهب بالأسترالي.


هناك علاقة هامة تربط بين أسعار الذهب والفرنك السويسري، وإن كانت تتسم بالضعف. وفي ظل الحقيقة القائلة بأن الفرنك السويسري مدعوم بالذهب، مما يجعله العملة التي يقع عليها الاختيار في ظل اضطراب الأوضاع السياسية. فمن يناير 2006 حتى يناير 2009، وصلت قوة العلاقة الإيجابية بين الذهب وزوج (الدولار/ فرنك سويسري) إلى 77%. ومع ذلك، اختلفت تلك العلاقة في سبتمبر 2005 حيث انفصل الدولار عن تحركات أسعار الذهب.

 

""

 

تداول العملات كبديل للنفط و الذهب


جدير بالذكر أن نتجار بعض العملات كبديل للسلع. فبالإضافة إلى الحفاظ على نفس التطلعات مثلا تطلعات أسعار النفط ، يستطيع التجار الاستفادة من فروق أسعار الفائدة. فعندما نتعامل مع العملات، فإننا نتعامل مع دول، ولكل دولة معدل فائدة بالطبع. فعلى سبيل المثال، من المحتمل أن يحقق التجار مشتري زوج (الدولار الأسترالي/ دولار) مكاسب قدرها 2.75% إذا بقيت أسعار الفائدة الأسترالية عند 3%، وأسعار الفائدة الأمريكية عند 0.25% لبقية العام. أضف إلى ذلك إمكانية المتاجرة باستخدام الروافع المالية، وبالتالي ستتضاعف الدخول. ولكن يجب الحذر من تلك الروافع لأنها تنطوى على نوع من المخاطرة، مما يعني أن الخسائر ستكون أيضا أكبر إذا انقلبت الصفقة ضدك.
وفي الختام، إذا أردت تداول عملات السلع، فيجب الأخذ في الاعتبار أمريين أساسيين، أولا: مراقبة تحركات أسواق النفط والذهب، ثانيا: مدى سرعة استجابة أسواق العملات لتلك التغيرات، ونظرا للفارق الزمني البسيط بين تلك التحركات ورد فعل أسواق العملات، فهناك فرصة حتى تستوعب أسواق العملات التحركات الكبيرة بأسواق السلع.


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image