حرب العملات.. ولماذا فشلت محاولات خفض العملة في دعم اقتصادات العالم!

حرب العملات.. ولماذا فشلت محاولات خفض العملة في دعم اقتصادات العالم!

في العام 2010، أطل علينا وزير الاقتصاد البرازيلي في هذا الوقت Guido Mantega معلناً عن بداية حرب العملات على مستوى العالم. وقد أستند في قوله على حقيقة أن فشل السلطات في تحفيز الإنفاق المحلي سيجعلهم أكثر سعياً وراء خفض قيمة العملة بهدف دعم الصادرات وتقنين الوادرات.

وبالنظر إلى الاقتصاد البرازيلي نجد أنه قد تضرر بشكل واضح من انخفاضات الدولار خلال السنوات الماضية تأثراً بتزايد توقعات استئناف الفيدرالي الأمريكي لبرنامج التيسير النقدي. كغيرها من عملات الأسواق الناشئة، ارتفعت العملة البرازيلية بشكل ملحوظ وغير مبرر أمام الدولار الأمريكي، مما ضاعف الضغوط على اقتصادات الأسواق الناشئة بشكل خاص. ولكن بخلاف ما هو متوقع، فإن ارتفاع قيمة العملة لم يقف عائقاً أمام نمو الاقتصاد البرازيلي، بل كان داعماً له. 

كانت التقلبات القوية التي شهدتها الأسواق خلال السنوات الأخيرة قد أثبتت أن انخفاض قيمة العملة ليس بالضرورة أن يكون داعماً للنمو الاقتصادي في كل الأحوال. الأمر الذي أكدته بعض الأبحاث التي أجراها بنك التسويات الدولي BIS مؤكداً أن ارتفاع العملة في بعض الأحيان يكون مفيداً للاقتصاد، وأن تراجع قيمة العملة قد يكون عبئاً عليه. وذلك من خلال أبحاث تم إجراؤها على أكثر من 44 اقتصاد حول العالم، منهم 22 اقتصاداً ناشئاً لتقييم مدى تأثير تحركات سعر الصرف على حركة الصادرات والواردات، وكذلك الوضع الائتماني.

أظهرت تلك الأبحاث وجود علاقة عكسية بين إجمالي الناتج المحلي وحركة العملة من خلال النشاط التجاري. هذا يعني أن النشاط التجاري يعزز النمو الاقتصادي في حال أن كانت قيمة العملة متراجعة، بينما يكون النشاط التجاري عبئاً على النمو الاقتصادي عندما ترتفع قيمة العملة. كما أوضحت عن تفاوت تأثير قيمة العملة على الأوضاع المالية والنشاط التجاري في الاقتصادات المختلفة. ففي الاقتصادات الغنية أو المتقدمة فإن تأثير حركة العملة على النشاط التجاري يكون أكبر من تأثيرها على الأوضاع المالية. أما الاقتصادات الناشئة، فيكون تأثير حركة العملة أقوى على القطاع المالي (حوالي 13 اقتصاد من إجمالي 22) حيث أن ارتفاع قيمة العملة قد يكون داعماً للنمو على عكس تراجع قيمتها.

تأتي هذه النتائج لتعزز من فاعلية ما تسمى بـ "الدورة المالية العالمية" والتي تخضع بشكل أساسي لتغيرات شهية المخاطرة لدي المستثمرين. بمعنى أخر، فإن أسعار الأصول ذات المخاطر، كالأسهم أو السندات في الأسواق الناشئة، تميل نحو الارتفاع مع تدفق الأموال من الاقتصادات المتقدمة إلى نظيراتها الناشئة. عادة ما تستجيب تلك التدفقات إلى السياسات النقدية للدول المتقدمة. بمعنى أخر، فإن الأوضاع المالية العالمية ما هي إلا انعكاساً لشهية المخاطرة. فعلى سبيل المثال، إن قام الفيدرالي الأمريكي، باعتباره من أكبر البنوك المركزية حول العالم، بخفض الفائدة، فهذا لا يعني فقط انخفاض تكلفة الأقتراض بالدولار الأمريكي، ولكن سيكون له تأثير غير مباشر من خلال ارتفاع أسعار الأسهم حول العالم.

وقد أوجدت أبحاث بنك التسويات أن الأوضاع المالية غالباً ما تعتمد على الاستثمار أيضاً، والتي تقوم بشكل أساسي على العملة الأجنبية أكثر من الإنفاق الاستهلاكي المحلي.  وفيما يخص الأسواق الناشئة، فإن تلك الأبحاث تؤكد على أن انخفاض قيمة العملة لا يعتمد عليه في إحياء النمو الاقتصادي. على النقيض، فإن تراجع العملة المحلية قد يكون له تداعيات وخيمة فيما يتعلق بزيادة المخاطر الانكماشية على الاقتصاد. 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image