كيف ستسير السياسة النقدية الأمريكية تحت رئاسة أول سيدة للفيدرالي "جانيت يلين"

كيف ستسير السياسة النقدية الأمريكية تحت رئاسة أول سيدة للفيدرالي "جانيت يلين"

يعد تباطؤ التعافي بسوق العمل ومعدلات التضخم التي تستقر دون المستويات المستهدفة والمشهد السياسي المنقسم هو ما يجدر "بجانيت يلين" مواجهته عندما تتولى رئاسة الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي يوم 3 فبراير عوضًا عن "بن برنانكي". ويجب أن يكون انتقال السلطة سلسًا، على الرغم من أن "يلين" تعتبر أول امرأة تتولى رئاسة الفيدرالي ومن المتوقع أن تسير على نهج من سبقها في المنصب في محاولة منها لتحسين أوضاع معدلات البطالة طالما أن معدلات التضخم لا زالت تحت السيطرة.


نبذه مختصر عن "جانيت يلين":


كَرست "يلين" التي تبلغ من العمر 67 عامًا حياتها للشئون الاقتصادية وبالأخص فيما يتعلق بالأمور المتعلقة بالبطالة. حصلت "يلين" على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة "ييل"، وقد قامت بالتدريس في جامعة "هارفرد" وكلية لندن للاقتصاد. وترأست مجلس الاستشاريين الاقتصاديين بالبيت الأبيض خلال فترة رئاسة "بيل كلينتون"، وكانت رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، وعضو لجنة السوق الفيدرالية المفتوحة. وفي عام 2009 ورد اسم "يلين" لتوليها  منصب رئاسة الاحتياطي الفيدرالي عقب "بن برنانكي"، بينما قام  الرئيس الأمريكي بالموافقة على استمرارية رئيس الفيدرالي لفترة ثانية، مدتها أربعة أعوام.


هذا وقد ساندت"يلين" بحكم منصبها نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي منذ عام 2010 "برنانكي" في صناعة العديد من القرارات المتعلقة بالسياسة النقدية خلال الأزمات الاقتصادية المعقدة ومنذ الكساد الاقتصادي الأعظم. وتجدر الإشارة إلى مشاركتها في الإشراف على الجولة الثانية والثالثة من التسهيلات النقدية، فضلًا عن تبنيها الدائم لإستراتيجية السياسة النقدية التي يتبعها الفيدرالي. كما عززت بشكل ملحوظ  سياسة الشفافية التي تبناها الفيدرالي خلال السنوات السابقة.


في السياق ذاته، صرح الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في بيان له عقب موافقة مجلس الشيوخ الأمريكي على تعيين "يلين" رئيسًا للاحتياطي الفيدرالي بأنها "ساعدتنا في الخروج من حالة الركود الاقتصادي. كما اسهمت في تحديد مسار مستقر نسبيًا للنمو الاقتصادي. ولكونها شخصية اقتصادية ذات ثقل  شاركت "يلين" في صنع العديد من القرارات المتعلقة  بالفيدرالي منذ أكثر من عشر سنوات". وأضاف قائلًا إن " الشعب الأمريكي سيحظى بشخصية ذات ريادة اقتصادية قوية، تتفهم أن الهدف الأساسي من صناعة القرارات الاقتصادية والمالية هو تحسين مستوي المعيشة وخلق فرص عمل فضلًا عن توفير مستوى معيشة أفضل للعاملين وأسرهم. 

وعلى الرغم من الدعم والمدح الذي تلقته "يلين" منذ الإعلان عن توليها منصب رئاسة الفيدرالي فإن العديد من الاقتصاديين قد أشاروا إلى أنه لم يتم تقديم "يلين" بطريقة تناسب كونها شخصية اقتصادية ذات ثقل، مما قد يؤدي إلى إضعاف سلطتها. وفي هذا الصدد، أشار فريق الاستراتيجيات للعملات العالمية لدى BBH إلى أربعة نقاط تعزز وجهة نظرهم: 1) يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن "يلين" لم تكن الاختيار الأول. 2) لقد قام "برنانكي" بالإعلان عن بعض الخطوات الجديدة والأمور المتعلقة بتوجهات لجنة السياسة النقدية المستقبلية قبل استقالته مما حد من حرية اتخاذها بعض التدابير الجديدة. 3) ترشيح نائب جديد للاحتياطي الفيدرالي ذات خبرة ومكانه تفوق تقريبًا كل محافظو البنوك المركزية. 4) لماذا واصل "برنانكي" عمله حتى نهاية المدة على الرغم من الموافقة على ترشيح "يلين" منذ عدة أسابيع سابقة. يعتقد المحللون أن تأثير هذه النتائج التي تم التوصل إليها سيظهر خلال وقت قريب عن طريق ضعف الثقة بالأسواق في قرارات البنك المركزي".


وبشكلٍا عام، يرى المحللون الاقتصاديون بالأسواق أن "يلين" مؤهلة بشكل كافي وجديرة بتولي منصب رئاسة الفيدرالي في أعقاب الأزمة المالية، فضلًا عن استمرارية السياسة النقدية التي تم تنفيذها خلال فترة رئاسة "برنانكي". وكما لاحظ "اكسيل مارك"، الرئيس التنفيذي لدى صندوق تمويل العملات ميرك، أن "يلين ليست بحاجة للعودة إلى سياسات عام 1930 للوصول إلى السياسة الاقتصادية المستهدفة". فقد قامت بالفعل بتحديد بعض الأمور المتعلقة بدعم معدلات التوظيف في أولوية جدول أعمالها؛ ويعتبر التحدي التالي الذي ينتظر "يلين" هو استمرار عملية خفض وتيرة شراء السندات دون التأثير على الاقتصاد أو إحداث أي اضطرابات قد تؤثر على السوق. وفي الوقت الحالي يتوقف أمر تحسن الأحوال الاقتصادية أو تدهورها على السياسة التي ستتبناها "يلين".


وبهذا الصدد، قمنا بطرح بعض الأسئلة على العديد من الخبراء الاقتصاديين بالسوق لمشاركة وجهات نظرهم حول اتجاه سياسة الفيدرالي تحت رئاسة "جانيت يلين". برجاء قراءة توقعاتهم التالية.


"ستيف رافلي": كبير محللي السوق لدى Intertrader.com:


يجب أن يواصل الفيدرالي سياسته الحذره تحت رئاسة "جانيت يلين"، وعلى الرغم من بدء "برنانكي" رسميًا في خفض التسهيلات النقدية،  فنحن لا يزال أمامنا طريق طويل حتى يعود الوضع الاقتصادي في الأسواق إلى سابق عهده. وتجدر الإشارة إلى وجود العديد من التحديات والأسئلة التي تواجه "يلين". ويتسم منصبها بالصعوبة البالغة ليس فقط لأنها يجب أن تنافس بقوة وأن تثبت جدارتها داخل نظام اقتصادي مقسم، ولكن عليها أن تعمل على تهدئة الأسواق التي تترقب تعويضها عن فترة الاضطرابات التي شهدتها مسبقًا. وبالتالي، سيكون للأخطاء أو التوجيه الخاطئ أضرار جسيمة وفورية.


وأضاف "رافلي" أن "يلين" عليها أن توضح ما يعتزم الفيدرالي القيام به على المدى البعيد بمستوى أفضل من الشفافية. وقال إنه خلال الخمس سنوات السابقة لن تكون هناك خطط واضحة للفيدرالي فضلًا عن عدم وجود اتجاه قوي للسياسات التي يتم إتباعها. وبالطبع لا يعتبر هذا أساسًا جيدًا لبناء خطط مستقبلية.


وعلاوة على ذلك، من المحتمل أن يعود  معدل النمو إلى نسب نمو الاقتصاد العالمي، ولكن مع الشكوك المتعلقة بما يمكن أن يحدث في سوق العمل الأمريكي والأسواق الناشئة من الصعب معرفة كيف ستعمل "يلين" على عودة الثقة في سوق العمل والشعب الأمريكي.

أدم نارشيزكي: المحلل الاقتصادي لدى X-Trade Brokers:


أوضح " نارشيزكي " أن الفيدرالي سيقوم بخفض برنامج التسهيلات النقدية تحت رئاسة "يلين" بطريقة أبطأ خلال عام 2014. وبشكل أكثر توضيحًا، ستواصل "يلين" السياسة التي تبناها "برنانكي". ويعتبر السيناريو التالي المرجح إذا استمر الوضع الحالي على ما هو عليه دون تغيير هو: تباطؤ وتيرة ارتفاع معدلات التضخم  وتراجع معدلات البطالة، واستقرار الاقتصاد في مسار النمو.  والجدير بالذكر أن الاقتصاد الأمريكي يشهد ارتدادًا قويًا (ولكنه لا يزال يواجه العديد من التحديات) لذلك من الممكن أن تكون الظروف التي تولت فيها "يلين" المنصب أفضل من تلك التي تولى فيها "برنانكي".

"يوهاي إيلام" المحلل الاقتصادي لدى Forex Crunch:


من المرجح أن تكون فترة رئاسة "جانيت يلين" للاحتياطي الفيدرالي مماثلة إلى حد كبير لرئاسة "برنانكي"، ما لم يحدث شيئًا غير متوقع للاقتصاد الأمريكي، فمن المحتمل أن يواصل الفيدرالي المسار الحالي الذي يتبعه، كما سيقوم بإنهاء التسهيلات النقدية بنهاية العام. تعتبر "يلين" محايدة إلى حد كبير مثل "برنانكي". ويبدو التفاؤل على النظام الحالي للفيدرالي؛ ولكن على نحو طفيف. على الرغم من الأداء الجيد للاقتصاد خلال الفترة الأخيرة، ومن المحتمل أن تختلف طريقة إدارة "يلين" عن "برنانكي". الأمر المستبعد هو أن تجعل "يلين" وضع الفيدرالي أكثر شفافية من ما هو عليه الآن، ولكنها ستبقى على سياسة الشفافية التي تبناها "برنانكي".

"اليستر كوتن"- رئيس التداول بالعملات المباشرة للشركات:


يعتقد "كوتن" أن منصب رئاسة الاحتياطي الفيدرالي سيكون واحدًا من أكثر القضايا الاقتصادية المثيرة للجدل خلال الثلاثة عقود التالية. ومن وجهة نظره، يعتبر "برنانكي" هو الشخص المناسب لتولي منصب رئاسة الفيدرالي خلال الفترة السابقة كما نجحت الجولات الأولى من التسهيلات النقدية  في احتواء الأزمة. وأضاف "كوتن" أن "يلين" سوف تتولى المنصب في توقيت صعب لأن الفيدرالي سوف يتمسك بسياسته إلى حد كبير خلال فترة قصيرة الآجل بسبب خفض شراء الأصول.

 

"البيرتوا مانزو"- المحلل الاقتصادي لدى FXstreet.com:


يتوقع "مانزو" أن يكون انتقال رئاسة الفيدرالي سلسًا نظرًا لاتفاق كلًا من "برنانكي" و"يلين" على سياسة محددة. والجدير بالذكر أن"يلين"  تتبنى بشكل كبير سياسة منحنى فيليبس (هو منحنى يبين العلاقة بين البطالة ومعدل التضخم ويبين أن العلاقة عكسية بينهما أي أن معدلات البطالة المنخفضة تعني تضخم عالي). لذلك سوف تراقب عن كثب معدلات التضخم والبطالة فمن المتوقع أن تهتم "يلين" بسوق العمل وبعد ذلك سوف تأخذ بعين الاعتبار ارتفاع معدلات الفائدة لتستقر معدلات التضخم قرابة النسبة المستهدفة للفيدرالي 2%. تجدر الإشارة إلى أن الأسواق تعتبر "يلين" هي البديل الأمثل لـ"برنانكي" لأنها جديرة إلى حد كبير برئاسة الفيدرالي، لذلك لن أتفاجئ إذا سجل الدولار ارتفاعًا خلال الفترة القادمة.

"اليان يوتوف": محلل الفوركس الاستراتيجي ومؤسس AllThingsForex:


خلال السنوات الأخيرة، كان الطابع المسيطر على تعيين رؤساء جدد بالفيدرالي هو اختيارهم وتعينهم في فترات الأزمات المالية. ويعتبر التدهور الذي شهدته الأسواق منذ أكتوبر 1987 هو التحدي الأكبر للسيد "الان جرينسبان" (رئيس الاحتياطي الأمريكي الأسبق) خلال فترة رئاسته المبكرة للفيدرالي، في حين أنه بعد تولي "بن برنانكي" لرئاسة الفيدرالي تم حَل أزمة الفقاعة السكانية. ومن المتوقع أن تكون الفترة الأولي لتولي السيدة "يلين" المنصب غير استثنائية، وبالأخص فيما يتعلق بالتراجع الحالي الذي تشهده أسواق الأسهم الناشئة وتأثيرها المحتمل أن يستمر، والذي سيهدد الاقتصاد الأمريكي وبعض الاقتصادات الأخرى. فضلًا عن خفض وتيرة التسهيلات النقدية دون أي تأثير سلبي على التعافي الاقتصادي والتأكد من أن معدلات التضخم تحت السيطرة بالإضافة إلى الوصول إلى أعلى مستويات توظيف. ومن الواضح أن أول امرأة سوف تتولى رئاسة الفيدرالي ستواجه عدة تحديات من الصعب مواجهتها.


آراء وتوقعات قسم أبحاث السوق لدى المتداول العربي:


تبدو قرارات "جانيت يلين" صارمة من خلال خطاباتها السابقة . وتَعتقد "يلين" أن السيولة والمتطلبات الرأسمالية هما أساس الاقتصاد القوي. وتجدر الإشارة إلى أن خفض برنامج شراء الأصول الذي بدأ منذ شهر ديسمبر- نهاية فترة رئاسة "برنانكي"- جاء بناءًا على تحسن الوضع الاقتصادي الأمريكي، ومن المرجح أن لا يتم استكمالها خلال الفترة الأولى من رئاسة "يلين". لسببين، أولهما: تعتبر "يلين" من مؤيدي سياسة التسهيلات النقدية طالما أن الوضع الاقتصادي لم يشهد تحسن بالقدر الكافي. ثانيهما: لم يشهد سوق العمل في الوقت الحالي تحسنًا ملحوظًا وخصوصًا بعدما تراجعت معدلات التوظيف بالقطاع الخاص بواقع 175 ألف خلال يناير، مما يرجح تراجع معدلات التوظيف بالقطاع غير الزراعي المقرر ظهورها اليوم، علاوة على تراجع معدلات التضخم. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار اهتمام "يلين" بالوضع الاقتصادي بشكل عام وبسوق العمل بشكل خاص، لذلك من المتوقع أن تستأنف "يلين" سياسة خفض التسهيلات النقدية بعدما يتحسن الوضع بسوق العمل، وبعد ذلك من المرجح أن تبدأ في خفض التسهيلات النقدية. وبشكلٍا مجمل، تعتبر "جانيت يلين" جديرة بالمنصب في الوقت الراهن بناءًا على إنجازاتها السابقة منذ توليها منصب نائب رئيس الفيدرالي في 2010. ويجب أن نأخذ بعين الاعتبار تأييد الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" لقرار تعيين "يلين".

 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image