الأمريكيون يقضون عطلاتهم وأعينهم تترقب السوق حذرًا

تشير الحركة السعرية في السوق المالية عشية اليوم السابق لعيد الشكر أن المستثمرين قد غلبت عليهم روح العطلة فعليًا، وتأتي العطلة في وقت مبكر من هذا العام، وذلك في الوقت الذي بدأ فيه تجار التجزئة فعليًا في الإعداد للعروض التجارية التي تأتي ثاني أيام عيد الشكر. وقد دفعت البيانات الأمريكية التي جاءت على نحو أفضل من توقعات السوق بالإضافة إلى الآمال المعقودة بأن يكون موسم التسوق للعيد قويًا بالعملات والأسهم إلى الارتفاع. هذا، وقد هبطت تدفقات الملاذ الآمن لتبتعد قليلاً عن الدولار، لتفتح الطريق بعد ذلك أمام عملات السلع للارتداد وتعويض بعض خسائرها الأخيرة. على الجانب الآخر، ظلت العملات الأوربية ضعيفة كما هي، في حين ارتفع زوج (الدولار/ ين) قليلاً، وهو ما يؤكد أن شهية المخاطرة طرأ عليها بعض التحسن. ويحتاج المستثمرون إلى البقاء متيقظين خلال فترة العطلة، وذلك على اعتبار أن القضايا الثلاثة التي شغلت بال المستثمرين وأقضت مضاجعهم على مدار الأسابيع القليلة الماضية لا زالت تفرض مخاطر جادة على الأسواق المالية.

لنراقب الوضع في شبه الجزيرة الكورية وأوربا:
تعاظمت التوترات في شبه الجزية الكورية ومشكلات الدين السيادي في أوربا إلى حد كبير على مدار الـ24 ساعة الماضية. وتمثلت ردة فعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما على نيران كوريا الشمالية في إرسال حاملة طائرات أمريكية وعدد من البوارج الحربية إلى كوريا الجنوبية وذلك لإجراء مناورات عسكرية مشتركة بين البلدين. ويبدو لنا من هذا التصرف أن الولايات المتحدة تستعرض عضلاتها وقوتها لتكون على أهبة الاستعداد للصين وكوريا الشمالية. ومن الممكن أن تلتزم الصين الصمت، أو أنها قد تستغل نفوذها على كوريا الشمالية لتهدئة تلك التوترات. وفي أي من الحالتين، ستظل شهية المخاطرة معلقة حتى يتم التوصل إلى حل بشأن شبه الجزيرة الكورية. وفي حالة إذا ما تضمن الحل أي صدام عسكري، فقد يكون لذلك عظيم الضرر على ثقة المستثمر. ومن المتوقع أن تكون الأيام المقبلة حرجة للغاية حتى نعرف إلى ما ستصير الأمور. ومن أوربا، نرى أن حالة الشكوك والغموض تعاظمت هي الأخرى، إذ أقدمت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز على خفض التصنيف الائتماني لأيرلندا درجتين، في حين ارتفع الفارق السعري للسندات الحكومية البرتغالية والأسبانية لأجل 10 سنوات إلى أعلى مستوى لها منذ تدشين عملة اليورو في عام 1999. وإذا ما استمرت تكاليف الاقتراض في بلوغ عنان السماء على هذا النحو، فقد يكون من غير الممكن التحكم فيها، وهو ما سيجبر البرتغال أو أسبانيا أو كلاهما معًا على طلب خطة إنقاذ مالية.

ثمة أسباب تدعو إلى التفاؤل..
منح التحسن المستمر في سوق العمل الأمريكية أخيرًا شيئًا يتوجهون به بالشكر إلى الله في عيد الشكر. ورغم مضي الاقتصاد الأمريكي قدمًا بوتيرة ضعيفة للغاية، إلا أنه ثمة تحسن مستمر وثابت في سوق العمل، الأمر الذي أتاح بارقة أمل للجميع بأن الشهور القليلة المقبلة ستكون أفضل وأيسر حالاً. ويمثل التعافي القوي في سوق العمل الأمريكية مكونًا بالغ الضرورة لتعافي اقتصاد بقوة. وعلى اعتبار تقرير إعانات البطالة الأسبوعية، فمن الممكن أن يتجاوز نمو التوظيف خلال شهر نوفمبر الارتفاع المفاجئ الذي طال قراءة تقرير العاملين في القطاع غير الزراعي في وقت سابق من هذا الشهر، والبالغة 151 ألفًا. وقد هبطت إعانات البطالة إلى 407,000 من 441,000، فيما هبطت إعانات البطالة المستمرة أيضًا إلى 4.18 مليونًا من 4.32 مليونًا. تجدر الإشارة إلى أننا لم نشهد قراءات جيدة على هذا الحال منذ يوليو من عام 2008، وهو ما يعد أمرًا مشجعًا للتعافي الأمريكي، علاوة على أنه يؤكد على أن الاحتياطي الفيدرالي يبلي البلاء الحسن. كما هبط أيضًا عدد من يتلقون إعانات بطالة ممتدة أو طارئة على نحو كبير، وذلك على اعتبار انتهاء مدة الإعانات أو الوظائف الجديدة. ورغم أن الشيء الوحيد الذي يطلعنا عليه التقرير أن الشركات الأمريكية تسرح أعدادًا أقل كثيرًا من موظفيها، إلا أننا نرى أن هذا التحسن قد تحول إلى نمو ثابت وتدريجي في النمو الوظيفي. ويشعر المستثمرون على وجه الخصوص بنوع من التفاؤل حيال موسم التسوق للعام الجديد والكريسماس. وقد بدأ تجار التجزئة فعليًا في تقديم عروضهم التجارية والترويجية مبكرًا، وبدأت تلك العروض في جذب الأمريكيين إلى المتاجر. وقد أوضحت عمليات المسح على المستهلكين أنه ثمة خطط لزيادة العمليات الإنفاقية هذا العام، وذلك على اعتبار مستويات الثقة الكبرى المتعلقة بفرص التوظيف والأمن الوظيفي. وغلبت روح العطلة وبيانات إعانات البطالة الأسبوعية الأمريكية، والتي جاءت على نحو أفضل من توقعات السوق، الهبوط الذي طال قراءتي طلبات السلع المعمرة ومبيعات المنازل الجديدة، فقد هبط الطلب على تلك السلع بنسبة 3.3% خلال شهر أكتوبر، فيما هبطت مبيعات المنازل الجديدة بنحو 8.1%. أما الجانب المشرق، فيكمن في أن قراءة ثقة المستهلك روجعت على ارتفاع، لتصل في شهرو نوفمبر إلى أعلى مستوى تصل له القراءة منذ 5 شهور. كما ارتفعت قراءتي الدخل والإنفاق الشخصيين مقابل قراءة الشهر الماضي، لتعكس بذلك عمليات الارتفاع التي سجلتها مبيعات التجزئة ومتوسط الدخول الأسبوعية.

اليورو: حالة من الترقب لعمليات خفض التصنيف الائتماني
انهى اليورو تداولات الفترة الأمريكية منخفضًا على نحو طفيف مقابل الدولار الأمريكي. ورغم الاحتفال بعطلة عيد الشكر في الولايات المتحدة فقط وليس أوربا، إلا أن أصدقائنا الأوربيين لا زال لديهم القليل من الأشياء التي يمكن ان يشكرون الله عليها! ورغم البلايا والمشكلات الكامنة في دول منطقة اليورو، إلا أن ألمانيا لا زالت تبلي البلاء الحسن على اعتبار كونها أكبر اقتصادات منطقة اليورو. وقد سجلت ثقة الأعمال الألمانية ارتفاعًا قياسيًا خلال شهر نوفمبر، والفضل في ذلك يعود إلى قوة الإنفاق الاستهلاكي. وهو ما يعني أن الشركات الألمانية شديدة التفاؤل الآن إزاء النشاط الاقتصادي الحالي والمستقبلي أكثر مما كانت عليه ذروة الأحوال في عامي 2006-2007. ولا يعد تحليق الثقة عاليًا بالأمر الغريب، إذ تأكد من الثقة القوية للمستهلكين والمحللين. ومن جانبنا، فقد شهدنا أمارات وعلامات تشير إلى تسارع وتيرة النشاطين التصنيعي والخدمي. ويتعين على الأوربيين أن يتوجهوا بالشكر أيضًا على نعمة الهبوط الأخير لليورو، وهو ما سيساعد بدوره في دعم ومؤازرة الاقتصاد. ويبدو واضحًا أن البنك المكزي الأوربي لا يفكر في الوقت الحالي في خفض معدلات الفائدة، إلا أن التكاليف الاقتراضية المرتفعة للغاية تجعل الحياة شديدة الصعوبة بالنسبة لبعض الدول الأوربية، وبالتالي فستحتاج تلك الدول إلى يد العون من أي جهة ممكنة. وتجدر الإشارة إلى أننا ذكرنا في تقريرنا الصادر يوم الثلاثاء أن زوج (اليورو/ دولار) قد يواصل خسائره إذا ما شرعت وكالات التصنيف الائتماني في عمليات خفض التصنيفات الائتمانية لبعض الدول الأوربية. ورغم حديثنا حينها عن عمليات خفض التصنيف الائتماني المحتملة للبرتغال وأسبانيا، إلا أن قرار ستاندر آند بورز بخفض التصنيف الائتماني للدين السيادي الأيرلندي لا يزال مهددًا بسحب اليورو إلى الهبوط. من ناحية أخرى، كانت عمليات البيع طفيفة نسبيًا مقارنة بما كان من الممكن حدوثه إذا ما قررت ستاندرد آند بورز خفض التصنيف الائتماني للبرتغال وأسبانيا. وفي ظل سعي أيرلندا فعليًا للحصول على خطة إنقاذ مالية، يعد بيان ستاندر آند بورز الخاص بوضع الدين الأيرلندي متأخر للغاية. فإذا ما كانت عمدت إلى خفض التصنيف الائتماني للبلاد خلال الأسبوع الماضي، فقد كان من الممكن أن يكون لهذا الأمر عظيم الأثر على اليورو. ولكن بدلاً من ذلك، اتسم موقف ستاندر آند بورز بكون رد فعل أكثر من كونه استباقي، حيث اتجهت إلى الحديث عما هوا واقع وواضح. ومع ذلك، فإذا ما عمدت أي وكالة أخرى لخفض التصنيف الائتماني للبرتغال وأسبانيا، فمن الممكن أن تقدح مثل تلك الخطوة زناد حدوث هبوط حاد في زوج (اليورو/ كندي). وإذا ما سعت أي من الدولتين أو كلتيهما وراء الحصول على خطة إنقاذ مالية، فمن شأن هذا أن يكون إحدى المخاطر الجسيمة التي تواجه اليورو على المدى القريب. في غضون ذلك، نرى أن أيرلندا تسابق الريح للحصول على التمويل، وذلك عبر التعهد بكبح جماح حالات العجز المالي لديها عبر خفض الإنفاق ورفع الضرائب على مدار السنوات الأربعة المقبلة. وبعد أن سأمت من تقديم العون امالي للحكومات الضعيفة، تحاول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل هذه الأيام الدفع بخطة تقضي بأن يتحمل المستثمرون المشترون للسندات بعض من تكاليف عمليات الإنقاذ المستقبلية، إلا أنه من غير المحتمل سان يلقى هذا المطلب غير الشعبي أي نوع من الدعم. في غضون ذلك، نرى أن ثقة المستهلك الفرنسي المؤشر الوحيد المنتظر صدوره يوم الخميس. ويتسم يوم عيد الشكر بهدوء تعاملاته عادة في سوق العملات، وما لم تطلق كوريا الشمالية المزيد من النيران على جارتها الجنوبية، فإنه يتعين أن تسير عمليات التداول على الأزواج الرئيسة داخل نطاق ضيق.

الإسترليني: قراءة الناتج المحلي الإجمالي لم تتعرض للمراجعة ولكن..
أنهى الجنيه الإسترليني تداولاته خلال الفترة الأمريكية دون أدنى تغير مقابل الدولار الأمريكي. وأوضحت التقديرات الثانية للناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثالث من العام أن الاقتصاد قد توسع بواقع 0.8% خلال الفترة ما بين شهري يوليو وسبتمبر. ورغم أنها نفس وتيرة النمو التي أوردتها التقديرات الأولية، إلا أن التفاصيل كشفت عن مراجعة هابطة حادة في الاستهلاك الخاص وإجمالي استثمارات الأعمال. وما لم يكن هناك ارتفاع قوي في الصادرات، والتي عززت من التجارة، لكانت قراءة الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الثالث من العام قد روجعت على هبوط. ويعد هبوط الطلب بالقطاعين العام والخاص أمرًا خطيرًا على اقتصاد المملكة المتحدة. ومن شأن التدابير التقشفية التي سيتم الإعلان عنها الأسبوع المقبل أن تجعل الحياة عصيبة بعض الشيء بالنسبة للكثير من البريطانيين، كما سيؤدي قرار المملكة المتحدة بتوفير المساعدة لأيرلندا إلى تفاقم هذه المشكلات. وقد أفاد بلانش فلاور عضو لجنة السياسة النقدية ببنك إنجلترا الليلة الماضية أن "المملكة المتحدة ليس أمامها خيار سوى مساعدة أيرلندا". وبدورنا، فقد أوضحنا مطولاً من قبل سبب حاجة بريطانيا إلى مساعدة أيرلندا، وذلك إذا ما كانت ترغب في تفادي حدوث أزمة مصرفية لديها. في حين واصل عضو لجنة السياسة النقدية سينتنس دعوته إلى رفع معدلات الفائدة البنكية. ورغم إقراره بأن الأخبار الواردة من أيرلندا تعد مقلقة، إلا أنه أوضح أنه على قناعة بأنه ثمة خطورة من حدوث هزة مستقبلية إذا ما توانى البنك المركزي في رفع معدلات الفائدة الخاصة به. وتعتبر المملكة المتحدة واحدة من الدول القليلة التي لها بيانات اقتصادية من المنتظر صدورها غدًا. ومن المنتظر صدور تقرير مبيعات التجزئة الصادر عن اتحاد الصناعة البريطاني، والذي سيتيح لنا لمحة عن الطلب الاستهلاكي خلال شهر أكتوبر.

 

 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image