هل اتجه الجميع إلى بيع الدولار؟

واصل الدولار تداعيه، ليهبط إلى أدنى مستوى له منذ 6 شهور مقابل اليورو، وأدنى مستوى له على مدار عامين ونصف العام مقابل الفرنك السويسري. كما انتاب الدولار حالة من الضعف مقابل اليوم مقابل جميع العملات الرئيسة بما فيها الدولار الأسترالي، والذي اعتلى صهوة ارتداد دراماتيكي على المدى اليومي، ليغلق تعاملاته على ارتفاع مقابل الدولار الأمريكي. وبالأمس، ثبت أن ارتفاع الدولار لا يعدو كونه ارتفاعًا مؤقتًا، ولا يتعين على المتداولين الاندهاش من عمليات البيع المفرطة التي جرت اليوم، وذلك على أساس أننا حذرنا مسبقًا من أن الاتجاه الهابط للدولار لم ينته بعد حتى تغير توقعات السياسة النقدية. وطالما ظل الاحتياطي الفيدرالي يفكر في زيادة عمليات التسهيل النقدي، فسيكون الحافز وراء دفع المتداولين لشراء الدولار ضعيفًا للغاية. وفي الحقيقة، يبدو لنا أن الأصوات المنادية بزيادة عمليات التسهيل النقدي بين مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي قد تزايدت في الفترة الأخيرة، وهو ما يعني أنه من المؤكد طرح المزيد من برامج التسهيلات النقدية خلال شهر نوفمبر.

هل اتجه الجميع إلى بيع الدولار؟
وتتجلى المشكلة الكبرى في مواجهة الدولار الأمريكي في أن المضاربين ليسوا فقط من يعملون على إنقاذ الدولار، ففي هذا الصباح، قفز اليورو عقب تصريح وزيرة المالية الفرنسية لاجارد أنها ناقشت مع روسيا التنويع بعيدًا عن الدولار. وليست هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها روسيا عن الحد من تعرضها للدولار، وإضعاف دور العملة في المعاملات المالية العالمية. وفي الحقيقة، ترغب روسيا في إيجاد عملة أكثر من كونها قومية لمضاهاة الدولار. ورغم كونها مبادرة متحدية، فإننا لن نتمادى في تخيلاتنا بأن هذا الأمر احتل جزءًا من المباحثات بين روسيا وفرنسا التي تمركزت حول زيادة اتجاه روسيا إلى اليورو. ومن جانبها، أوضحت الصين أخيرًا دعمها لليورو متعهدة بزيادة استثماراتها في اليونان وأسبانيا. وقدرت بلومبرج أن الصين اشترت أكثر من 18 مليار يورو خلال الربع الثاني من العام. وأدت توقعات إقدام البنوك المركزية بالإضافة إلى المضاربين على بيع الدولار من تسريع وتيرة الهبوط بالنسبة لعملة الاحتياطي العالمي. ومن الممكن أن يقدم بيان الفائدة المقبل التابع للبنك المركزي الأوربي بالإضافة إلى قراءة تقرير العاملين بالقطاع غير الزراعي الأمريكي يد العون إلى الدولار، أما أن يؤدي إلى قلب مسار العملة فإن هذا أمرًا بعيد الاحتمال. وإذا ما عبر محافظ البنك المركزي الأوربي جان كلود تريشيه عن أية مخاوف تتعلق بالارتفاع الأخير بالنسبة لليورو، فمن الممكن أن نشهد تراجعًا لليورو وارتدادًا بالنسبة للدولار. ويعد ذات الأمر صحيحًا ما لم يسجل مؤشر العاملين بالقطاع غير الزراعي الأمريكي قراءة قوية على نحو استثنائي. وعلى أساس تقرير ISM غير التصنيعي، فإن هناك فرصة قوية في أن يكون سوق العمل قد تحسن على مدار الشهر الماضي، حيث ارتفعت قراءة المؤشر غير التصنيعي من 51.5 إلى 53.2، والفضل في ذلك يرجع إلى الارتفاع في الطلبات الجديدة وتسليمات الموردين والطلبات التصديرية الجديدة والورادات والأكثر أهمية من ذلك الارتفاع الطارئ على التوظيف. ويمثل مكون التوظيف داخل مؤشر ISM غير التصنيعي مؤشرًا بارزًا لقراءة التوظيف في القطاع غير الزراعي المنتظر صدورها يوم الجمعة، وتشير عودة الأوضاع التوسعية في سوق العمل إلى أنه بالإمكان أن يطل علينا تقرير التوظيف بالقطاع غير الزراعي الأمريكي يوم الجمعة بقراءة قوية. وليس من المتوقع فقط أن يعمل القطاع الخاص على زيادة أعداد التوظيف لديه، بل بالإمكان أن يعاود اقتصاد البلاد ككل اتجاهه إلى النمو الوظيفي الإيجابي. ومن المنتظر أن تتيح قراءتي تقريري تشالنجر لتسريح العمالة وتقرير ADP للتوظيف مزيدًا من المعلومات بشأن سير سوق العمل بالبلاد.

هلى تلعب الصين بالسياسة؟
في غضون ذلك، نود لفت الأنظار مرة أخرى إلى الصين للحديث عن الدافع وراء الاستثمار في أوربا. ومنذ نهاية شهر أغسطس، أجرى رئيس الوزراء الصيني وين زيارتين رفيعتين المستوى إلى أوربا، وتعهد بدعم بلاده لسوق السندات الأوربية وبالتالي اليورو أيضًا. ومع اقتراب اجتماع مجموعة العشرين في غضون أسابيع، تواجه الصين مغبة توجيه اللوم لها في هذا المحفل العالمي بسبب التلاعب في عملتها، وإذا ما كان هناك شيء أكيد بشأن الصينيين، فسيتمثل في أنهم سيكرهون خسارة مواجهة صناع السياسة الأمريكيين والذين كانوا يدفعون لفرض تعريفة جمركية على الواردات الصينية، وهو ما تسبب في مخاوف واسعة النطاق بالنسبة لحرب التداول والعملة. ونتيجة لهذا، بدأت الصين في استمالة أوربا بتعهدها شراء السندات الأوربية. ولا يمكن لأوربا بالطبع تفويت مثل هذه الفرصة في وقت تواجه في أزمة الدين السيادية مخاطر جمة والتي تبعد المستثمرين عنها. ومن شأن هذا الأمر أن يضع الأوربيين في صف الصينيين وليس الأمريكيين. وقد أوردت صحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست أن فرنسا لن تنضم إلى الولايات المتحدة في ضغطها على الصين من أجل إجراء إصلاحات في عملتها. وفي مواجهة حالات القوة بالنسبة لعملاتها، فإنه ليس من المحتمل أيضًا أن تدعم كندا والبرازيل أي مبادرات من شأنها دفع الدولار الأمريكي صوب الهبوط. وإذا كانت الصين بصدد تقوية عملتها على نحو أشد، فمن شأن هذا أن يكون له أثر سلبي على الدولار الأمريكي، وهذا نظرًا إلى أنها بذلك لن تكون بحاجة إلى شراء الكثير من الدولارات الأمريكية.

اليورو: محادثات التنويع الروسية مع فرنسا
واصل اليورو عمليات ارتفاعه، ليصل إلى أعلى مستوى له على مدار 6 شهور مقابل الدولار الأمريكي. وقد اتسمت المفكرة الاقتصادية بحالة من التذبذب، إلا أن الحديث عن المزيد من عمليات التنويع بعيدًا عن الدولار الأمريكي دفعت بالعملة الأوربية إلى الارتفاع. وصباح هذا اليوم، ناقشت وزيرة الاقتصاد الفرنسية لاجارد فكرة التنويع النقدي بعيدًا عن الدولار مع نظيرها الروسي. وتعتبر توقعات خفض البنوك المركزية من ممتلكاتها للدولار الأمريكي كبيرة أيضًا، وهو الأمر الذي غطى على تحذيرات وكالة التصنيف الائتماني موديز بأنه من المحتمل خفض التصنيف الائتماني للسندات الأيرلندية. ومن جانبها، تخشى وكالة التصنيف الائتماني موديز أن يجعل ضعف البيانات الاقتصادية والتكاليف الاقتراضية المرتفعة من الصعب على أيرلندا الوفاء بديونها دون طرق أبواب صندوق الطوارئ التابع للاتحاد الأوربي. وعلى أساس خفضها للتصنيف الائتماني لأيرلندا إلى Aa2 في شهر يوليو، فمن الممكن أن يؤدي أي خفض آخر بالتصنيف الائتماني إلى Aa3. ويرجع السبب وراء عدم اكتراث المستثمرين بتلك التحذيرات إلى أن موديز مستمرة في التلكأ خلف نظرائها، إذ أن أي عملية خفض أخرى للتصنيف الائتماني ستدفع التصنيف الائتماني إلى المستويات الخاصة بوكالتي ستاندرد آند بورز وفيتش. هذا، وقد هبطت مبيعات التجزئة إلى 0.4% خلال شهر أغسطس، والتي لم تمثل مفاجأة نظرًا لهبوط الإنفاق الاستهلاكي في ألمانيا وفرنسا. على الجانب الآخر، روجع نشاط القطاع الخدمي على ارتفاع والفضل في ذلك يرجع الأداء القوي الذي ظهرت به ألمانيا وإيطاليا. ومن المنتظر صدور القراءة النهائية للناتج المحلي الإجمالي بمنطقة اليورو خلال الربع الثاني من العام غدًا إلى جانب طلبات المصانع الألمانية. إلى ذلك، سجل الفرنك السويسري أعلى ارتفاع له على مدار عامين ونصف العام مقابل الدولار الأمريكي رغم ثبات الأسعار الاستهلاكية، وهو ما أوضح أن الضغوط التضخمية في سويسرا لا زالت ضعيفة حتى الوقت الحالي.

 

 

 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image