من أي العملات يجب أن نحتاط ؟

شهدت سوق العملات موجة من الاضطراب نتيجة التدهور الملحوظ للدولار الأمريكي . أما عن مخاوف محافظي البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم فقد بدأت في التفاقم في الوقت الذي يتطلع المتداولين و المستثمرين إلى تدخل البنوك . فخلال الستة أشهر الماضية ، شهد الدولار تراجع بما يتجاوز الـ 10% مقابل العملات الأساسية الأخرى . و على نحو ما، كان لقوة العملة أثر طفيف على الاقتصاد في ظل ارتفاع توقعات الفائدة إلا أن الأمر الذي يشكل فارقاً هو أن البنوك المركزية تتحكم في توقيت رفع الفائدة لكنها لا تستطيع التحكم في الاضطرابات التي تطرأ على العملة . و بالتالي فإن سيناريو الانتعاش قد يظل عرضة للمزيد من التقلبات في العديد من البلدان و بالتالي فإن قوة العملة يمكن أن تمحي العديد من المجهودات المبذولة . فنحن نشهد بالفعل بعض البنوك المركزية تلطف من تفائلها مما يكون له تأثير على العملة . و على الرغم من الارتداد الذي شهده الدولار الأمريكي إلا اننا قد لا نشهد مرحلة طويلة من تلمس القاع بالنسبة للعملة ما لم تقوم أحد البنوك المركزية باتخاذ خطوة سواء أكانت شفهية في عملاتها . و من ثم فمن الجدير بالأهمية معرفة أى البنوك المركزية قلقة بالفعل على عملاتها و أيها التي يمكن أن تتدخل من أجل خفض قيمة عملتها مما قد يرجئ تنفيذ استراتيجية الخروج من دائرة التسهيل النقدي .

أيا البنوك المركزية أكثر تخوفاً على عملاتها ؟

الرسم البياناني الموضح أداناه يوضح درجة تخوف كل بنك مركزي على حدة بشان عملته .

 

""

الولايات المتحدة الأمريكية : البنك الفيدرالي .


جاء البنك الفيدرالي ليتصدر قائمة البنوك الأقل تخوفاً حيال التقلبات الأخيرة الذي شهدها الدولار الأمريكي . في الحقيقة ، إن البنك الفيدرالي كان أكثر ترحيباً بشان تراجع الدولار الأمريكي . الأزمة المالية العالمية قد قادت الضغوط التضخمية إلى المزيد من المستويات المتدنية في الوقت نفسه جاء التراجع في أسعار السلع ليخفض المزيد من ضغوط الأسعار ، مما يدحض من التخوفات حيال تدهور العملة . حيث أن اقتصاد الدولة لا يستفيد سوى من تدهور الدولار و التي تشتمل على الطلب الخارجي على الصادرات الأمريكية و الرهن العقاري و الشركات الأمريكية . بالإضافة إلى تعزيز العائدات الخارجية الامريكية التي يمكن أن تقدمها الشركات الأجنبية متعددة الجنسيات لا سيما خلال موسم جنى الأرباح في الربع الثالث من السنة المالية . و على الرغم من أن البنك الفيدرالي و أعضاء الحكومة الأمريكية الاخرين قد يدعون أنهم يدعمون قوة العملة ، إلا أن ذلك لا يمكن أن نطلق عليه سوى مجرد كلام معسول .

منطقة اليورو : البنك المركزي الأوروبي

واحدة من الأسباب الأساسية وراء توجه الزوج ( يورو/دولار) للمستوى 8217 هو أن البنك المركزي الأوروبي قد تراجعت تخوفاته حيال الارتفاع الأخير الذي شهدته العملة الأوروبية . فمعظم ما تردد على مسامعنا من المركزي الأوروبي كان تصريحات تريشيه و التي صدرت اليوم بشأن مدى أهمية ارتفاع الدولار الأمريكي . لكن لسوء الحظ لم تكن تلك التصريحات سوى صدى صوت لتصريحات ترددت في وقت سابق مما لم يكن كافياً للتأثير في موجة البيع التي يشهدها اليورو .ففي الفترة الماضية، كان الزوج ( يورو /دولار) هو الزوج الوحيد الذي يشهد ارتفاع عند ما كان يتحدث تريشيه عن العملة و عندما كان يعرب عن تخوفاته حيال الإفراط في تقلبات أسعار صرف العملات الأجنبية على وجه التحديد وبدلاً من ذلك فنحن نستمع الأن إلى تصريحات إيجابية أكثر منها سلبية من قبل مسئولي لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي الأوروبي . ووفقاً لتريشيه ، فإن الوضع الاقتصادي الحالي قد شهد تحسناً منذ مارس الماضي . وعن تصريحات الإسبوع الماضي ، أعرب فيبر أن تقلبات العملة " جاءت لتتزامن مع بعض البيانات الاقتصادية القوية الصادرة عن منطقة اليورو " كما أعرب ناوتوني صباح اليوم أنه لا حاجة إلى تغير النمط الحالي للسياسة النقدية على الرغم من أنهم يضعون في اعتبارهم استراتيجية خروج من دائرة التسهيل النقدي . و بالتالي فإن المفوضية الأوروبية أو أعضاء الاتحاد الأوروبي سيكونون أول من يعاني من ارتفاع العملة إلا انهم لا يزالون في حالة من الهدوء حتى وقتنا هذا .

استراليا : بنك الاحتياطي الاسترالي

تبعاً لما عكسه لنا الرسم البياني نجد أن البنك الاحتياطي الاسترالي يأتي ليحتل مرتبة ثالث البنوك المركزية الأقل تخوفاً بشأن الارتفاع الأخير التي شهدته العملة الاسترالية حيث ارتفع الزوج ( دولار استرالي /دولار أمريكي) بنسبة تقترب من 25% خلال الأشهر الستة الماضية .و على الرغم من أن استراليا قد خرجت بالفعل من مضمار الركود ، إلا أنها قد استفادت و بقدر كبير من الانتعاش الأمريكي و خطط التحفيز المعمول بها في الصين و الارتفاع السابق لأسعار السلع . و بالنظر إلى تصريحات ستيفنز محافظ البنك الاسترالي ، نجد أنه صرح بأن البنك الاحتياطي الاسترالي يجب أن يكون على قائمة البنوك المركزية التي ستعمد إلى رفع معدل فائدتها . كما أشار إلى معدل الفائدة باعتبار " أنها في أدنى مستوياتها " و ذلك بشكل استثنائي مما يعني أن صانعي السياسة النقدية قد يقومون بتطبيع معدلات الفائدة بأسرع وقت ممكن خلال هذا العام قبيل تراكم الاضطرابات التي قد تؤدي تحدث في حالة أن أبقى البنك على معدل الفائدة عند أدنى مستوى لها لفترة طويلة .كما شدد ستيفنز على أن البنك المركزي قد يرفع من توقعات النمو في النظام المالي .مما قد يقوي من موقف شركائهم التجاريين و إحداث تحسن ملموس في قطاع الأعمال و ثقة المستهلك و بالإضافة إلى ارتفاع الحصص و كذلك أسعار المنازل مما يدعم الاقتصاد .

المملكة المتحدة : البنك المركزي البريطاني

من بين معظم البنوك المركزية في العالم ، ينفرد بنك انجلترا بموقفه المحايد . تزامناً مع التراجع الذي شهده الاسترليني خلال الإسبوع الماضي و ذلك لأن صانعي السياسة النقدية للبنك هو وحدهم الذين يطمحون إلى سياسة نقدية أكثر مرونة . علاوة على ذلك ، جاءت التصريحات المتضاربة من قبل مسئلي السياسة النقدية للبنك لتكشف النقاب عما يكنه البنك المركزي من عدم ارتياح للدولار الأمريكي . فخلال الإسبوع الماضي ، شهد الاسترليني موجة بيع حادة عقب تصريحات محافظ بنك انجلترا و الذي تحدث عن مميزات تراجع العملة البريطانية مما يوحي أنه يؤيد ذلك . أما عن تصريحات يوم الجمعة الماضي ، فقد حاول وزير المالية دارلنغ أن يلطف من حدة وطأة التراجع التي انتابت الاسترليني عندما صرح أن تصريحات كينغ كانت موجهة إلى المصدرين و أضاف أن سياسة المملكة المتحدة النقدية ستظل دون تغير . و بقدر كثرة محاولات مسئولي السياسة النقدية البريطانية التراجع عن تصريحاتهم بقدر ما يكشف لنا ذلك و بمزيد من الوضوح حالة عدم القناعة عن الدولار الأمريكي . حيث أن تدهور الدولار يبقي الولايات المتحدة في مضمار الانتعاش و بالتالي ففي حالة أن عزف الاسترليني مقطوعة التراجع نفسها فإن ذلك قد يخفض من المزيد من المساعي التحفيزية . و بدلاً من ذلك فإن قوة العملة قد تصعب الأمور على البنك المركزي .

اليابان : بنك اليابان


جاء التحول الأخير في النظام السياسي الياباني ليغير من موروث التدخل من قبل البنك بشكل كبير . ففي وقت مبكر من هذا الشهر ، صرح فوجي وزير المالية الياباني بأنه " ضد التدخل في حالخطوات التدريجية للبنك ، و أنه لا يحبز هذا التدخل لأن أسواق العملات لن تتمكن من الحراك دون قدر من التدخل المشترك. و خلافاً للحزب السابق و الذي استهدف تراجع الين من أجل دعم الصادرات ، تحول تركيز الإدارة الجديدة دعم الطلب المحلي . ومع ذلك ، فسرعان ما تدارك كلً من الحزب الديمقراطي وفوجي أن السياسة يمكن أن تكون خادعة. و بالنظر إلى تحركات الزوج ( دولار /ين) خلال تداولات اليوم نجد أنها لم تشذ عن النطاق الطبيعي ، كما أعرب وزير التجارة عن مدى الإضرار الذي قد يلحق بالصادرات نتيجة ارتفاع الين .

كندا : البنك الكندي

أيضاً لم يكن البنك الكندي قانعاً بالارتفاع الأخير الذي شهدته العملة . ففي يوليو ارتفع الدولار الكندي مسجلاً أعلى مستوى له نظراً للتصريحات الإيجابية التي ترددت عن مسئولي البنك بشكل على غير المتوقع . في الوقت نفسه ، تلك التصريحات التي أومأت بأنه طالما أن معدل التضخم لم يصل ذروته فإن هناك توقعات بأن يبقي البنك على معدل الفائدة دون تغير و حتى الربع الثاني من العام المقبل .لكن تصريحات يوم الجمعة الماضي أفادت بأنه قد تكون هناك من خطط التحفيز إذا اقتضت الضرورة لذلك ، كما صرح لونغورث نائب محافظ البنك الكندي أن ارتفاع العملة يمثل خطراً محدقاً بالانتعاش الاقتصادي للبلاد . و مع ذلك فنحن لا نتوقع أن تمتد يد البنك الكندي للتدخل ، حيث أنه حتى و إن استمر الدولار الكندي في الارتفاع فإن البنك الكندي قد يزيد من تصريحاته المحايدة.

نيوزيلاندا : بنك نيوزيلاندا

أبدى البنك الاحتياطي النيوزيلاندي عن تخوفاته حيال العملة النيوزيلاندية ، إلا أن التحسن الأخير الذي يشهده الاقتصاد قد قلل من إمكانية تدخل البنك . ففي وقت سابق من هذا الشهر ، صرح بولارد محافظ البنك أن ارتفاع العملة أمر غير مرغوب فيه و أن ذلك الأمر قد لا يسهم في إعادة التوازن للاقتصاد النيوزيلاندي . كما أكد وزير المالية انجليش أيضاً أن " ارتفاع الدولار النيوزيلاندي قد يضع مزيدا من العراقيل في طريق قطاع الصادرات مما قد يودي به إلى المزيد من التدهور . و مع ذلك فمن خلال مقارنة تلك التصريحات بسابقيها يتضح لنا أن البنك أقل تخوفاً حيال عملته . و أن تدخل البنك لن يكون له ضرورة في الوقت الراهن .

سويسرا: البنك الوطني السويسري

اخيراً يتربع البنك الوطني السويسري على قائمة البنوك الأكثر قلقا بشأن قيمة عملته . حيث عمد صانعي السياسة النقدية للبنك إلى التدخل خلال مارس و يونيو الماضيين في ظل بلوغ الزوج ( يورو /فرنك سويسري) المستوى 1.50 . و مع ذلك فإن المستوى المرتفع الذي أحرزه الفرنك السويسري خلال الإسبوع الماضي مقابل الدولار ، قد أيقظ تخوفات البنك المركزي من جديد . ليتزامن ذلك مع التصريحات التي وردت عن جوردان عضو مجلس غدارة البنك و التي أعرب فيها بأن المزيد من ارتفاع العملة السويسرية يُعد أمراً غير مقبولا لكن منذ ذلك الحين لم نشهد أى بوادر للتدخل حيث قد يكون ذلك نتيجة أن الزوج ( يورو /فرنك سويسري) لا يزال مستقراً فوق المستوى 1.50 . لكن في حالة أن شهدت العملة المزيد من الارتفاع فإن ذلك سيكون له مخاطر عدة حيث إمكانية تدخل البنك سواء شفهياً أو فعليا للحيلولة دون المزيد .

 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image