من عثرة إلى نقرة : الانكماش و التضخم بالولايات المتحدة

في الوقت الذي بدأت تتراجع فيه قوى الانكماش، بدأت قوى التضخم تهدد بالرجوع مرة أخرى وبقوة بشكل لايمكن تجاهله. ويمكن سرد تلك القوى كالأتي:


القوة الأولى: خروج عجز الموازنة عن السيطرة


• حتى أغسطس، بلغ عجز الموازنة الفيدرالية 1.38 تريليون دولار. وفي سبتمبر فقط تتوقع الإدارة عجزاً آخر يقدر بـ 200 مليار دولار، مما سيدفع بإجمالي العجز خلال العام إلى 1.58 تريليون دولار.
• بلغ الدين الحكومي أعلى المستويات ليصل إلى 11.8 تريليون دولار، أو ما يفوق 100,000 دولار لكل أسرة بالولايات المتحدة.
• تتفق الإدارة الأمريكية والحزب المعارض على أنه خلال العشر سنوات المقبلة، سيصل عجز الفيدرالي إلى 9 تريليون دولار، مما سيدفع عبء الأسرة الواحدة إلى 177,000 دولار.
• وصلت خصوم (التزامات) البنك الاحتياطي الفيدرالي بقوائم الميزانية إلى 2 تريليون دولار. الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة عبء الأسرة إلى 194,000.
• عدم وفاء الحكومة الأمريكية بالعديد من الإلتزامات للضمان الاجتماعي و الرعاية الصحية و المعاشات والتي وصلت إلى 104 تريليون دولار أو 886,000 دولار للأسرة.


ومن هنا سيصل إجمالي العبء للأسرة الواحدة إلى 1 مليون دولار !!
هذا كله سيدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى طبع النقود بدون قيود، وخلال عدة أشهر، ستعمل تلك الأموال كعامل ضغط على السياسة العامة و الأسواق المالية والدولار... والتضخم.


القوة الثانية : هبوط الدولار الأمريكي


خلال الأسبوع الماضي، هبط الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى خلال العام مقابل سلة من العملات، ليبعد خمس نقاط عن أدنى مستوى له في التاريخ.


وهناك العديد من العوامل تدفع إلى انخفاض الدولار منها:


لأول مرة منذ عام 1933، أصبح من الأرخص اقتراض الدولار عن الين الياباني. وفي الواقع، هبط سعر الفائدة (ليبور) على الدولار الأمريكي ليصل إلى 0.292%، في حين يصل سعر الفائدة المماثل على الين إلى 0.352%.
الأمر الذي يشير إلى اتجاه تجار الكاري تريد إلى استخدام الدولار عوضا عن الين لتمويل تلك عمليات الكاري تريد والتي تعني بيع العملات ذات العائد المنخفض لشراء العملات ذات العائد المرتفع.
وأصبح الدولار الذي كان يتم الالتجاء إليه كملاذ آمن، المصدر لتمويل عمليات المخاطرة، وبالتالي بيع الدولار بدلا من شراؤه. الأمر الذي سيؤدي إلى هبوط الدولار.


القوة الثالثة : عودة الثروات بالقطاع العائلي من جديد


خلال العامين الماضيين، فقد القطاع العائلي بالولايات المتحدة العديد من الثروات. حيث خسروا تريليونات في الأسهم والسندات و العقارات. ومن ثم عملت تلك الخسائر كقوة دافعة رئيسية إلى الانكماش زجت بمؤشر أسعار المستلهكين إلى الصفر أو دونه.

الآن خلال النصف الثاني من عام 2009، تغيرت الأحوال من حال إلى حال، فوفقا لتقرير التدفقات النقدية الصادر عن الفيدرالي الأسبوع الماضي، يمكن القول بأنه خلال الثلاثة أشهر الأخيرة، حقق القطاع العائلي مكاسب :


• 1.1 تريليون دولار في الأسهم العادية والممتازة.
• 494 مليار دولار بصناديق الاستثمار.
• 157 مليار دولار في سوق العقارات.


وعلى الرغم من عدم وصول تلك المكاسب إلى تضخم الأصول الذي حدث عام 2007، إلا أن تغير الاتجاه يعد كافيا لاشغال فتيل التضخم.


القوة الرابعة: زيادة المعروض النقدي


إن المعني الكلاسيكي للتضخم هو تدفق الأموال بالاقتصاد وزيادة الطلب على السلع النادرة.
هذا، ولم يشهد المعروض النقدي بالولايات المتحدة (M1) أي نمو خلال عام 2007 و منتصف 2008. وعلى الرغم من جهود الفيدرالي في تلك الفترة إلى خفض الفائدة إلى الصفر، إلا أن عرض النقود ظل عند 1.4 تريليون دولار، قوة أخرى للانكماش.

ولكن منذ منتصف عام 2008، قفز المعروض النقدي إلى 1.65 تريليون دولار، مع توقع المزيد في المستقبل القريب.


هل انتهى عصر الانكماش؟


لا، سيعود مرة أخرى، ولكن ما يثير القلق في الوقت الحالي هو التضخم.
وعلى الرغم من عدم توافق الآراء على وقت و حجم تحركات السوق تبعا لتلك الظروف، إلا أن هناك إجماع حول بعض النقاط الأساسية :


1. إذا لم تحدث تغيرات جذرية بقوى التضخم، فسيتسارع هبوط الدولار خلال الأشهر المقبلة.
2. رغم انخفاض الدولار سيظل العملة الأكثر انتشاراً، فلن يختفي من على وجه الأرض كما يعتقد البعض.
3. من غير المعقول أن يبتعد المستثمرون عن سندات الخزانة الأمريكية و الاستثمارات الأخرى بالدولار. حيث لاتزال تلك الاستثمارات تشكل للمقيمين بالولايات المتحدة الملاذ الآمن و السيولة.
4. ويرى البعض أن الطريقة المثلى للحماية من انخفاض الدولار هى اللجوء إلى الاستثمارات المضادة للدولار كالمعادن النفيسة و الموارد الطبيعية، والأصول المربوطة بالعملات الأجنبية التي تتسم بالقوة.


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image