قرار واحد من السعودية قد يُسقط الدولار من عرشه

قرار واحد من السعودية قد يُسقط الدولار من عرشه

في ظل استمرار الفيدرالي الأمريكي في سياسته النقدية المتشددة، تشهد الولايات المتحدة والعالم عدداً من التغيرات الهائلة، خاصة على صعيد القطاع المصرفي، حيث تسبب ارتفاع الفائدة في انهيار عدد من البنوك الأمريكية والسويسرية، مع تزايد مديونية الولايات المتحدة لمستويات غير مسبوقة، مما انعكس بالسلب على قوة الدولار الأمريكي.

بيد أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، حيث إن الدولار معرض لفقدان عرشه لصالح مجموعة من العملات العالمية الأخرى، كاليوان أو الروبل أو حتى اليورو، وذلك بعد استخدامه في فرض العقوبات الاقتصادية على مجموعة من الدول.

يأتي ذلك بالتزامن مع تصريحات الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشأن أن اليوان والروبل شكلا وسيلة دفع في أكثر من نصف المعاملات التجارية المتبادلة بين بلاده وبين الصين. وتأتي هذه التصريحات على هامش زيارة الرئيس الصيني إلى موسكو.

اليوان في مواجهة الدولار

قالت وكالة "بلومبيرغ" إن تحول اليوان لعملة دولية تستبدل الدولار يتوقف على قرار من السعودية، وغيرها من الدول النفطية في الشرق الأوسط، مثلاً القبول بتسعير النفط باليوان سيظل الدولار الأميركي متربعاً على عرش النظام المالي العالمي.

ويرتبط زيادة دور اليوان عالمياً بما يهدد مكانة الدولار الأميركي مرتبط إلى حد كبير بقبول دول مصدرة للطاقة تسعير النفط باليوان بدلاً من الدولار، إلا أن ذلك لم يتحقق فعليًا حتى الآن. فعلى رغم ما أثير إعلامياً منذ زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ للسعودية في ديسمبر الماضي ولقائه بالقادة الخليجيين وبعض القادة العرب إلا أن تبني دول الخليج تسعير النفط باليوان في مبيعاتها للصين لم يحدث فعليًا.

لكن ذلك لا يعني أن الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، لا تسعى حثيثاً لتعزيز الدور الدولي لعملتها مستفيدة من الأوضاع الجيوسياسية الحالية، بخاصة الحرب في أوكرانيا والعقوبات غير المسبوقة التي تفرضها أميركا والغرب على روسيا. وتتسع رقعة الدول التي بدأت أو تخطط لاستخدام اليوان في تمويل تجارتها مع الصين، حتى إن روسيا بدأت بالفعل في الاعتماد على اليوان كعملة حسم وحتى احتياطي في مواجهة حرمانها من التعامل بالدولار نتيجة العقوبات.

وتشهد السنوات الأخيرة زيادة في دور اليوان على الساحة الدولية، بخاصة مع إجراءات بكين فتح أسواقها المالية وتوجه بعض الدول لتنويع انكشافها على العملات الأجنبية كي لا تقتصر على الدولار واليورو، لكن حتى الآن، يظل الفارق شاسعاً بين دور الدولار الأميركي واليوان الصيني، إلا أن دور الأخير في التعاملات المالية العالمية ينمو تدريجاً، وإن كان ببطء بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي.

البترويوان.. حلم صيني

اتخذت الصين مؤخرا سلسلة من الخطوات التي تتحدث عن عزمها على الانفصال عن النظام العالمي الذي يضمن الهيمنة الأمريكية. وحشد الرئيس شي جين بينغ دول البريكس من خلال دعوة أتباعهم من آسيا وأمريكا اللاتينية وزار ملوك الخليج العربي.

والتقى الزعيم الصيني في المملكة العربية السعودية في الفترة الممتدة من 7 إلى 9 ديسمبر الماضي بست دول من دول الخليج العربي للنفط والغاز وهم المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة والكويت وعمان وقطر. ومن المفترض أن يتم استخدام عملة اليوان في تعزيز تجارة النفط.

في هذا الصدد، زعم شي جين بينغ أن الصين ستزيد واردات النفط من إيران في السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة، لكنها ستعمل أيضًا على التعاون الشامل في مجال الطاقة مع الدول الأخرى في المنطقة. ويمكن أن تشمل استثمارات في البتروكيماويات (TADAWUL:2310) والبلاستيك والاستكشاف المشترك في بحر الصين الجنوبي؛ حيث تخطط بكين لدفع كل هذا بعملة اليوان في بورصة شنغهاي للنفط والغاز الطبيعي في وقت مبكر من سنة 2025.

نهاية البترودولار؟

قال بول كريغ روبرتس، الذي عمل في البيت الأبيض أثناء إدارة الرئيس رونالد ريغان، إن تخلي العربية السعودية ودول أخرى عن البترودولار، سيؤدي إلى كارثة في الولايات المتحدة.

وأضاف في كريغ مقالة على موقعه على الإنترنت: "إعلان العربية السعودية الأخير عن انفتاح حكومة المملكة على قبول مدفوعات النفط بعملات غير الدولار هو إعلان رئيسي هام تجاهلته الصحافة ووسائل الإعلام. ستؤثر نهاية البترودولار بشكل سلبي جدي على قيمة الدولار، وكذلك على التضخم وأسعار الفائدة في الولايات المتحدة".

ويرى كريغ: "أن سياسة واشنطن المالية، التي تعتمد على مصادرة الأصول وفرض عقوبات، قوضت مكانة الدولار".

"أخذت دول عديد في الوقت الحالي، تعرب عن رغبتها في استخدام العملات الوطنية في التجارة الدولية، حتى لا تصطدم بالتهديدات المحتملة من الولايات المتحدة ولا تتعلق بها".

وقال: "إذا تخلت السعودية عن البترودولار، فسينخفض ​​الطلب على العملة الأمريكية وستتراجع قيمة الدولار. وهذا تهديد جدي لسلطة واشنطن وللقوة المالية للبنوك الأمريكية".

روسيا تضرب الدولار

تواصل روسيا استخدام عملات خصومها الذين فرضوا عقوبات عليها إثر غزوها لأوكرانيا في معظم معاملاتها التجارية في أواخر 2022، على الرغم من النجاح الكبير الذي أحرزه اليوان والروبل في تسوية التعاملات.

شكلت مدفوعات الصادرات باستخدام الدولار الأميركي واليورو، 48% من إجمالي المدفوعات في نهاية 2022، مقارنة بـ 87% في بداية العام. قفزت حصة اليوان في تسديد المدفوعات لتصل إلى 16%، مقارنة بنحو 0.5%، وشكّل الروبل الروسي 34%، أو ما يقرب من ثلاثة أضعاف المستوى الذي كان عليه سابقاً، بحسب ما أظهر تقرير صادر عن البنك المركزي الروسي.

وقال الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” إن اليوان والروبل شكلا وسيلة دفع في أكثر من نصف المعاملات التجارية المتبادلة بين بلاده وبين الصين.

ووصف “بوتين” خلال مؤتمر أعقب محادثات مع نظيره الصيني “شي جين بينغ” في موسكو أمس الثلاثاء، التوسع في تسوية المعاملات بالعملات الوطنية، بأنه حافز كبير للتعاون والاستثمار بشكل أعمق.

وأضاف أن بيانات الشهور التسعة الأولى من العام الماضي، كشفت عن بلوغ حصة الروبل واليوان في المعاملات التجارية بين روسيا والصين 65%، قائلًا إنها لا تزال تنمو بما يسمح بحماية التبادل التجاري بين البلدين من تأثيرات الدول الأخرى واتجاهات الأسواق العالمية السلبية.

وقال بوتين، في اجتماع مع الرئيس الصيني، شي جين بينج: "نحن مع استخدام اليوان الصيني في التجارة بين روسيا ودول آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية”.

ويأتي ذلك بالبناء على ما تم أخيراً من إجراءات -لا سيما على المستوى الاقتصادي وبعد العقوبات المفروضة على روسيا- تؤسس إلى ضرب هيمنة الدولار ونظام سويفت المالي، علاوة على توسع قاعدة العلاقات الاقتصادية مع عديد من الدول الأخرى، سواء على صعيد العلاقات الثنائية ومن خلال التحالفات والمنظمات الإقليمية والدولية.


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image