مستقبل معدلات الفائدة الأمريكية من عدسة المستثمرين

مستقبل معدلات الفائدة الأمريكية من عدسة المستثمرين

ارتفعت العائدات على السندات الأمريكية الآجلة لعامين بمقدار 57 نقطة أساس هذا العام حتى الآن، العام الذي شهد رفعين لمعدل الفائدة وعلى مشارف أن يشهد المرة الثالثة الشهر المقبل، بينما تراجعت العائدات على السندات الأمريكية الآجلة لعشرة أعوام بمقدار 11 نقطة أساس، وقد أثار هذا التراجع المخاوف لدى بعض المستثمرين من احتمالية أن تجد مخاطر الركود طريقها إلى الاقتصاد الأمريكي، بالرغم من ذلك لا يزال هذا السيناريو ضعيفًا مع إيجابية منحنى العائد بين السندات الآجلة لعامين وعشرة أعوام عند 58 نقطة أساس ولكنه الأقل انحدارًا منذ نهاية 2007.

ويرجع انحدار منحنى العائد على المدى القصير بشكل كبير إلى سياسات الفيدرالي وتوجهاتها المستقبلية، بينما ارتبطت العائدات صاحبة المدى الزمني الأطول بثلاثة مكونات وهي توقعات الفائدة الحقيقية على المدى الطويل وتوقعات التضخم وبقية العوامل الاقتصادية الأخرى.

ومن خلال بعض النقاط يمكننا تفسير أسباب تراجع منحنى العائد على السندات الآجلة لعشرة أعوام، بداية بتوقعات الفائدة الحقيقية على المدى الطويل وهو شيء لا يمكن مراقبته في شيء ملموس ولكن تساعد الصناديق الفيدرالية في رسم تصور له لأنها مرتبطة بأهداف الفيدرالي للتضخم.

وقد بلغ متوسط توقعات أعضاء الفيدرالي الأمريكي في ديسمبر الماضي لحالة التوازن للصناديق الفيدرالية 3.0% وبافتراض أن التضخم قد بلغ 2% فإن هذا سيجعل الفائدة الحقيقية تقترب من النسبة 1%، وفي آخر توقعات اقتصادية للفيدرالي الأمريكي (سبتمبر) تستقر التوقعات عند 2.75% وهو ما يفسر بشكل كبير التراجع الذي سجله  العائد على السندات الآجلة لعشرة أعوام من خلال تراجع توقعات الفائدة الحقيقية على المدى الطويل.

يدور المكون الثاني حول توقعات التضخم، وهناك طريقتان لتوثيق توقعات التضخم على المدى الطويل؛ أولهم هي مسوحات مستندة إلى السوق وهي بمثابة معدلات حيادية (الفارق بين عائدات التضخم المرتبط بالأوراق المالية والأوراق المالية التقليدية لخمسة أعوام آجلة). وتكمن المشكلة في أنها ليست واضحة ويرتبط العائد بمعدل العرض والطلب لتلك الأدوات أيضًا.

هناك العديد من المسوحات الضخمة التي تتم على أساس ربع سنوي لخبراء يتم إجرائها من قبل الفيدرالي الأمريكي، تقوم أيضًا جامعة ميتشجان بإجراء مسح شهري وتشير تلك المسوحات إلى تغير طفيف في توقعات التضخم، وأظهر مسح الفيدرالي الأمريكي الأخير أن متوسط توقعات التضخم خلال الفترة ما بين 2017-2026 هو 2.25%، وفي ديسمبر الماضي سجلت التوقعات لعشرة أعوام 2.22% وأظهر مسح جامعة ميتجشان لـ 5 - 10 أعوام استقرارًا في التوقعات، وقد بلغ متوسط التوقعات هذا العام 2.5% دون تغير يذكر من العام الماضي لكنه متراجع بشكل ملحوظ من متوسط التضخم في 2015 عند 2.7%. ولهذا، التغير في توقعات التضخم على المدى الطويل لا يبدو أنها تشير إلى تراجع الفائدة على المدى الطويل.

المكون الثالث يدور حول أي شيء آخر يؤثر على الفائدة على المدى الطويل بجانب الفائدة الحقيقية على المدى الطويل وتوقعات التضخم، وهناك العديد من العوامل التي تلعب دورًا في هذا المكون، فعلى سبيل المثال هناك 10 تريليون دولار في السندات ذات العائد السلبي في (أوروبا واليابان) وقد يحفز ذلك بعض المستثمرين للإقبال على السندات الآمريكية طويلة الأجل (مقابل قصيرة الأجل).

توقع العديد من المستثمرين أن يتم انتهاج سياسة مالية تحفيزية وأن يتم زيادة الانفاق على البنية التحتية، وصاحب ذلك ارتفاع في العائدات على السندات الآجلة لعشرة أعوام خلال الفترة ما بين نوفمبر وديسمبر 2016، إلا أن الأسواق أصبحت أقل حماسًا تجاه تلك التوقعات بالإضافة إلى أن حالة التوتر الجيوسياسي أثبتت قدرتها على أن تكون لاعب رئيسي في تلك النقطة.

خلاصة القول أن تراجع العائد على السندات الآجلة لعشرة أعوام ومنحنى العائد المسطح غير مبرر، بل هو نتاج قيام الفيدرالي الأمريكي برفع معدلات الفائدة على المدى القصير وتراجع مفهوم معدلات الفائدة المتزنة على المدى الطويل وتراجع المكون الثالث المذكور آنفًا والذي يكون من أحد عوامل التطورات العالمية وانحسار توقعات التحفيز المالي بالولايات المتحدة.


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image