استنتاجات شهادة دراجي، هل المركزي الأوروبي بصدد المزيد من الإجراءات التسهيلية؟

استنتاجات شهادة دراجي، هل المركزي الأوروبي بصدد المزيد من الإجراءات التسهيلية؟

قام محافظ البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي أمس الاثنين بالإدلاء بشهادته أمام البرلمان الأوروبي حول الأوضاع الاقتصادية بمنطقة اليورو وتوجهات السياسة النقدية للبنك. أثناء الحديث عن الأوضاع الراهنة، اتسمت نبرة دراجي بقدرٍ عالٍ من السلبية مما عزز بدوره من توقعات لجوء البنك إلى المزيد من الإجراءات التسهيلية خلال اجتماع البنك المرتقب خلال مارس المقبل. لماذا؟ 

كان دراجي قد أشار إلى استمرار ضعف الأوضاع الاقتصادية بالمنطقة كرد فعل لتباطؤ الاقتصاد العالمي وضعف التطلعات. في البداية أكد على أن هناك العديد من التحديات التي تواجه منطقة اليورو، مما سيدفع البنك إلى مراجعة كافة الأوضاع وإعادة النظر في أدوات السياسة النقدية الراهنة وإدخال التعديلات المطلوبة إن لزم الأمر، مؤكداً مرة أخرى على استعداد البنك للتدخل وإتخاذ كل ما يلزم لدعم استقرار المنطقة. كما أوضح أن الأوضاع العالمية المتقلبة تعمل على زيادة مخاوف الأسواق، وبالتالي على البنك استمرار مراقبة تلك المخاطر التي تهدد الاقتصاد بكل حذر. ولم يكن لاستمرار تردي الأوضاع الاقتصادية على الصعيد العالمي تأثير سلبي فقط على النمو الاقتصادي وإنما عملت أيضاً على استمرار تقلص الثقة بشكل قوي خلال الفترة الأخيرة، مما نتج عنه تقلبات قوية في حركة الأسواق. الأمر الذي سوف يشكل ضغوطاً على االبنك للتدخل في حال تسبتت تلك التقلبات في المزيد من عدم استقرار الأسعار. 

هذا، وقد شدد دراجي أثناء تصريحاته على الدور الفعال الذي تلعبه سياسات المركزي الأوروبي في حماية اقتصاد المنطقة من الانزلاق إلى خطر الركود، مشيراً إلى أن الأدوات الحالية تُبدي بالفعل الفاعلية المطلوبة إلا أن الأوضاع العالمية مازالت أقوى وبالتالي تشكل عبئاً على مهام البنك. كما أوضح أن السياسة التسهيلية للبنك قد شهدت توسعاً ملحوظاً خلال الأعوام الأخيرة الماضية ضمن جهود البنك المتواصلة لتحفيز الأداء الاقتصادي بالمنطقة. في هذا السياق، فقد أكد دراجي على أن السياسة النقدية للبنك ستظل توافقية لفترات طويلة حتى ضمان استقرار مسار التضخم صوب المستويات المستهدفة، وعليه سوف تظل سياسات البنك تتمتع بالمرونة الكافية لملائمة الأوضاع الاقتصادية. 

أما عن معدلات الفائدة المنخفضة، فقد أشار دراجي خلال شهادته أن ذلك الأمر لا يقتصر فقط على منطقة اليورو، بل أن هناك العديد من الدول التي تطبق بالفعل أداة معدلات الفائدة المنخفضة لدعم النمو الاقتصادي منها الولايات المتحدة واليابان. وقد أكد أيضاً على أن حالة الضعف التي أصابت اقتصاد المنطقة هي ناجمة عن الأوضاع العالمية، وبالتالي فإن كل اقتصادات العالم تتعرض أيضاً لتلك المخاطر الهبوطية وليست منطقة اليورو فقط، موضحاً أن اقتصاد المنطقة يواصل عملية التعافي بوتيرة معتدلة نحو تحقيق هدف التضخم عند 2%، بفضل توجهات السياسة النقدية للبنك. 

وقد أعرب دراجي عن مخاوف صناع القرار بالبنك بشأن عجز مستوى التضخم عن استهداف النسب المرجوة مما قد يؤثر سلباً على مصداقية البنك والثقة في قدرة أدوات السياسة النقدية على تحفيز النمو الاقتصادي. فقد لجأ البنك لأكثر من مرة إلى دفع توقعات استهداف التضخم للمستوى 2% خلال الفترات الماضية، حيث أن توقعات البنك كانت تشير إلى وصول التضخم لقرابة 2% خلال العام 2017 إلا أن الأوضاع الاقتصادي مازالت لا تضمن تحقق هذا الأمر. ولكنه قد أكد مرة أخرى على أن المركزي الأوروبي ليس وحده من اضطُر إلى الدفع بتوقعات التضخم بعيداً، بل لجأت العديد من البنوك المركزي الأخرى إلى هذا الأمر. 

كما تطرق دراجي إلى أوضاع القطاع المصرفي بالمنطقة مؤكداً على أنه تمكن من زياده أرباحه خلال العام الماضي مقارنة بالعام الأسبق. على الرغم من استمرار التحديات التي تواجه القطاع إلا أنه مازال يتمتع بقدر كبير من التماسك والصلابة. كما أشار إلى تحسن الأوضاع الائتمانية بالمنطقة. على الجانب الأخر، فقد صرح بأن معدلات الاستثمار بالمنطقة لاتزال ضعيفة تحت وطأة ضعف الأوضاع الاقتصادية، تزايد المخاطر وتقلص الثقة.

 

في النهاية يمكننا القول بأن البنك المركزي الأوروبي على أعتاب التوسع في سياسته التسهيلية خلال مارس المقبل. فمن الواضح أن رؤية البنك للأوضاع الاقتصادية الراهنة أصبحت أقل تفاؤلاً عما مضى، الأمر الذي انعكس من خلال استمرار ضعف التطلعات الاقتصادية. يأتي ذلك إلى التأكيد المستمر من جانب دراجي على استعداد البنك للتدخل وإتخاذ الإجراءات اللازمة لتحفيز نمو الأداء الاقتصادي وخاصة إن استمرت الأوضاع في تهديد استقرار الأسعار. هذا، وقد ترك المجال مفتوحاً أمام المزيد من التدابير التسهيلية خلال مارس. وعلى الرغم من إشارته إلى صعوبة تقييم الأوضاع الراهنة بشكل فعلي، إلا أنه أكد على اعتزام اللجنة مراجعة كافة الأوضاع الاقتصادية خلال اجتماع مارس والنظر في أدوات السياسة النقدية المتاحة واختيار الأفضل والأكثر فاعلية ومن ثم تعديل السياسة النقدية إن لزم الأمر. 

على هذا النحو، يبدو أن الأسواق قد تأهبت بالفعل لإعلان المركزي الأوروبي عن المزيد من التدابير التحفيزية الشهر المقبل، الأمر الذي قد يشكل ضغوطاً سلبية على اليورو الذي حاول التعافي خلال الفترة الأخيرة مستغلاً حالة الضعف التي أنتابت الدولار الأمريكي مع زعزعة الثقة في رفع الفائدة الأمريكية. 

 

للاطلاع على نص الشهادة:

أهم ما جاء في شهادة دراجي أمام البرلمان الأوروبي


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image