رفع الفائدة الأمريكية وتأثيره على الأسواق المالية

رفع الفائدة الأمريكية وتأثيره على الأسواق المالية

بعد انتظار الأسواق طويلاً، أعلن الاحتياطي الفيدرالي عن رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساسية لترتفع بذلك عن مستويات الصفر والتي استقرت عندها لسنوات تأثراً بتداعيات الأزمة العالمية في العام 2008.  قبل إتخاذ ذلك القرار، كان تركيز الأسواق منصباً بالكامل على مدى تحسن الأداء الاقتصادي بالولايات المتحدة والذي سوف ينعكس بدوره على  موعد أول رفع لمعدل الفائدة. على الصعيد الأخر، لم يكن تأثير ذلك القرار على الأوضاع المالية والاقتصادية مستحوذاً على اهتمام الأسواق على الرغم من أهميته البالغة في تغيير مسار الأسواق خلال الفترة المقبلة. لهذا السبب يسلط هذا التقرير الضوء على تأثير قرار رفع الفائدة على بعض الجوانب الاقتصادية والمالية وحتى على قيمة الدولار الامريكي.

 

الدولار الأمريكي: توقعت العديد من الآراء انتهاء الحركة الصاعدة للدولار الأمريكي بشكل أو بأخر حتى مع رفع الفائدة هذا العام. كما حدث خلال مراحل  تشديد السياسة النقدية في السابق، كان الدولار يتخلى عن مكاسبه قبل وصول معدل الفائدة إلى ذروته. لكن من ناحية أخرى، يبقى الدولار مدعوماً بتفاوت توجهات السياسة النقدية بين الاحتياطي الأمريكي، الذي أعلن لتوه عن رفع الفائدة تاركاً المجال مفتوحاً أمام المزيد من الخطوات التشديدية خلال العام المقبل، وبين توجهات البنوك العالمية التي تنخرط نحو السياسة التسهيلية. على سبيل المثال، المركزي الأوروبي والذي قد أعلن منذ أسابيع عن المزيد من التدابير التسهيلية في محاولة منه لحماية اقتصاد المنطقة من شبح الركود، مؤكداً على استعداده للتدخل مجدداً في حال استمرت الأوضاع في التدهور وتخييب الآمال. الامر الذي سوف يلعب دوراً هاماً في دعم قيمة الدولار لفترة من الوقت. كان الدولار الأمريكي قد ارتفع بنسبة 24% أمام منافسيه من العملات الرئيسية منذ منتصف العام 2014، وهناك العديد من التوقعات التي تشير بمواصلة ارتفاع الدولار خلال الفترة المقبلة. هذا، ويتوقع البعض أن عدم استقرار النمو الاقتصادي بالولايات المتحدة إلى جانب تقلبات الأسواق العالمية قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى التخفيف من وتيرة رفع الفائدة خلال الفترة المقبلة مما قد يشكل بعض الضغط على الدولار.

 

 

الأسواق الناشئة: إن رفع الفائدة الأمريكية يعد اختباراً قوياً لمدى قدرة الاقتصادات الناشئة على مواجهة التدفقات الخارجية لرؤوس الأموال في ظل ارتفاع عائدات السندات الأمريكية وارتفاع الدولار. جدير بالذكر أن احتفاظ تلك الاقتصادات الناشئة برؤوس الأموال الأجنبية قد شكل تحدياً خلال الفترة الأخيرة خاصة في ظل صراعها مع تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع سقف الدين. الأمر الذي أثر سلباً على العملات التابعة والتي فقدت أكثر من 18% مقابل الدولار الأمريكي خلال الأسبوع الماضي، كما تراجعت السندات بالعملات المحلية تراجعاً بنسبة 17% في حين ارتفعت السندات بالدولار الأمريكي. بالنظر إلى الضعف الذي شهدته عملات الاقتصادات الناشئة خلال العام الجاري، فمن الصعب جداً التبؤ بمدى تأثرها بقرار رفع الفائدة الأمريكية، ولكن سيظل مسار رفع الفائدة بعد أول رفع هو المؤثر الرئيسي على تحركات تلك العملات خلال الفترة المقبلة.

 

 

البنوك: لطالما تطلعت البنوك إلى قيام الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة نظراً لما عانته خلال استقرار معدلات الفائدة قرابة الصفر لسنوات طويلة. جدير بالذكر أن معدل الفائدة هو عنصر أساسي في ربحية البنوك ويخضع لسعر الفائدة المحدد من قِبل البنك المركزي. لذلك فإن رفع الفائدة سوف يوفر للبنوك عائد أعلى على عمليات الإقراض في الوقت الذي ترتفع فيه الإيداعات بشكل تدريجي. هذا، وتنصح مؤسسة جولدمان ساكس بشراء أسهم البنوك التي تحظى بنسبة إيداعات مرتفعة مثل: بنك أوف أمريكا Bank of America Corp.، جي بي مورجان J.P. Morgan، بي إن سي للخدمات المالية PNC Financial Services Group، و إي تريد E*Trade Financial Corp.

 

 

سندات الشركات: قد يكون لسندات الشركات رد فعل قوي على قرار رفع الفائدة ولكنها قد تظل مجالاً أفضل لجذب الاستثمار مقارنة مع سندات الخزانة الأمريكية. قد يرجع التأثير السلبي بشكل جزئي إلى القاعدة المتداولة بأن رفع الفائدة يؤدي إلى تراجع الأسعار. لكن الجدير بالذكر أن سندات الشركات توفر معدلات فائدة مرتفعة عن نظيرتها الحكومية نظراً لارتفاع عنصر المخاطرة، مما يجعلها أقل تأثراً بسلبيات رفع الفائدة. وفي ظل تزايد القوى البيعية على السندات ذات المخاطر العالية على مدار الأسابيع الأخيرة، هناك بعض الآراء التي تؤيد قدرة تلك السندات على الاستجابة بشكل إيجابي لرفع الفائدة الأمريكية، باستثناء قطاعي الطاقة والسلع.  

 

 

اليورو: إن استعداد الأسواق لرفع الفائدة الأمريكية بالتزامن مع السياسة التسهيلية من قِبل المركزي الأوروبي قد تسبب في خسارة اليورو لأكثر من 22% من قيمته مقابل الدولار الأمريكي منذ مايو من عام 2014. على الرغم من عدم تعرضه لخسائر فادحة عقب رفع الفائدة الأمريكية، إلا أنه من المستبعد أن يتمكن من الوصل إلى مستوى التكافؤ مع الدولار خلال فترة قريبة، ولكن الأوضاع الراهنة تشير إلى أنه قد يشهد المزيد من التراجع الذي قد يتزايد في حال إتخاذ المركزي الاوروبي لممزيد من الإجراءات التسهيلية. هذا، ويسجل اليورو ارتفاعاً عندما يعزف المستثمرون عن المخاطرة كما أنه عملة تمويلية يلجأ إليها المستثمرون لتمويل استثماراتهم في الأصول ذات العائد المرتفع.

 

 

أسعار السلع.

الذهب: سجل الذهب هبوطاَ قوياً خلال الفترة الأخيرة ليستقر عند ادنى مستوياته على مدار خمسة أعوام استعدادً لقرار رفع الفائدة الأمريكية، ليصبح من الصعب أن يقلص تلك الخسائر خلال الفترة الراهنة مثقولاً بقوة الدولار الأمريكي إلى جانب الأوضاع الاقتصادية الراهنة.

النفط: رفع الفائدة سيكون ذو تأثير سلبي على الشركات العاملة بقطاع النفط والتي تجد بالفعل صعوبة في سداد ديونها في ظل هبوط أسواق النفط العالمية، وبالتالي قد تلجأ في النهاية إلى الخروج من الأسواق، مما قد يعمل على دعم أسعار السلع على المدى الطويل. لكن على المدى القريب، تبقى قيمة الدولار المرتفعة من أهم العوامل المؤثرة سلباً على أسعار النفط.

 

 

سندات الخزانة: إن توجهات السياسة النقدية للفيدرالي الأمريكي تؤثر بشكل مباشر على السندات الحكومية قصيرة الأجل التي يتأثر عائدها بالتغير في معدل الفائدة. كانت عائدات السندات لأجل عامين قد اقتربت من النسبة 1% والتي تعد أعلى مستويات لها منذ مايو 2010. ولكن مع ارتفاع عائدات السندات استعداداً لقرار رفع الفائدة وصولاً إلى الضعف، فإن تأثير القرار لم يكن قوياً كما كان متوقعاً، فقد يقوم بعض المستثمرين بحجز أرباحهم على السندات الآجلة لمدة عامين. وجدير بالذكر أن رفع معدلات الفائدة قد يدفع بعض المستثمرين إلى بيع السندات طويلة الأجل. 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image