هل يكرر الفيدرالي الأمريكي أخطاء الماضي ويقود الاقتصاد إلى الركود مجدداً؟

هل يكرر الفيدرالي الأمريكي أخطاء الماضي ويقود الاقتصاد إلى الركود مجدداً؟

لطالما أعرب صناع القرار بالفيدرالي الأمريكي، وعلى رأسهم محافظه جانيت يلين، عن تخوفهم من الانتظار طويلاً قبل رفع الفائدة من جديد. وقد برروا هذا بأن التأجيل المتواصل لرفع الفائدة قد يدفع بالبنك إلى إسراع وتيرة التشديد النقدي مستقبلاً، وهو ما سينتج عنه أضرار عكسية على النمو وقد تزج بالاقتصاد عن طريق الخطأ إلى مرحلة جديدة من الانكماش. وهذا ما أكدت عليه جانيت يلين خلال شهادتها أمام مجلس الشيوخ في فبراير الماضي.

ولكن لم يبدو هذا المنطق معقولاً إلى العديد من الأذهان، فهل من الصواب أن يتم رفع الفائدة بشكل احترازي فقط كي لا يتأثر النمو مستقبلاً؟ أوجدت بعض الأبحاث الحديثة بأن ارتفاع مخاوف صناع القرار من الاستجابة يعود في الحقيقة إلى قوة السياسة النقدية، والتي تضاعف تأثيرها على مجريات الاقتصاد الكُلي عما كان في الماضي. وهذا يعني أن التشديد النقدي ولو بوتيرة ضعيفة سوف يؤثر بشكل ملحوظ على مساري التضخم والنمو.

جاء موقف الاحتياطي الفيدرالي خلال الفترات الأخيرة ليبعث مخاوف تكرار أخطاء الماضي والتي ظهرت بقوة في ثلاث محطات رئيسية للاقتصاد الأمريكي، أرجعها العديد إلى تقليل صناع القرار من الدور الذي تلعبه معدلات الفائدة في الاقتصاد. وهذه المحطات هي: الكساد العظيم (1929)، التضخم العظيم (سبعينات القرن الماضي) وأخيراً الركود العظيم (مطلع القرن الحالي). يجمع بين هذه الأحداث التاريخية سبب واحد وهو تبني نبرة تشاؤمية غير مُبررة حول فاعلية السياسة النقدية ودورها في التأثير على مجريات الوضع الاقتصادي. الأمر الذي نتج عنه أخطاء جسيمة للسياسة النقدية أودت إلى ما يمكن وصفه بالكوارث الاقتصادية. وقد تكرر هذا الأمر على مدار السنوات الأخيرة، فمع معاناة الاقتصاد من ارتفاع في معدلات البطالة وضعف وتيرة التعافي الاقتصادي، اعتقد صناع القرار أن السياسة النقدية ستكون عاجزة عن مواجهة تلك الأوضاع.

وبعد مرور ما يقارب الـ 9 أعوام منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية، أٌقدم الفيدرالي الأمريكي في النهاية على رفع الفائدة خلال اجتماع ديسمبر في عامي 2015 و 2016، ليتبعه رفع جديد خلال اجتماع مارس من العام الجاري. ولكن هل اعتمد رفع الفائدة على تحسن الوضع الاقتصادي فقط؟ على ما يبدو أن التطورات الاقتصادية لعبت الدور الأبرز في إعانة الفيدرالي على إتخاذ هذا القرار، لكن هذا لا ينفي وجود بعض الدوافع السياسية وراء رفع الفائدة. فقد علقت الأسواق آمال مرتفعة على تدابير التحفيز التي تعهدت بها إدارة ترامب والتي من المفترض أن تقدم دفعة قوية للنمو بما يضمن الاستمرار في تشديد السياسة النقدية. كما كان لخطط التحفيز المالي المرتقبة دوراً في رفع الفيدرالي لتطلعات الوضع الاقتصادي خلال السنوات القادمة، وذلك خلال اجتماع ديسمبر الماضي.

هنا كثرت التساؤلات حول ما إذا كان رفع الفائدة مجرد استجابة لتطورات المشهد السياسي فقط، مع بعض الدعم المقدم من تحسن الوضع الاقتصادي. لتستمر المخاوف بشأن مدى ثقة الاحتياطي الفيدرالي في فاعلية السياسة النقدية، وبالتالي إن لم تتحقق خطط التحفيز المالي، فقد يعود من جديد إلى المماطلة في رفع الفائدة معتمداً على تراخي التضخم في الوصول إلى الهدف. وكان الفيدرالي قد أوضح أنه على الرغم من قوة أداء سوق العمل مؤخراً، إلا أن تباطؤ ارتفاع الأجور وبالتالي التضخم يبقى مصدراً القلق. وقد اسهمت توترات الحياة السياسية مؤخراً وارتفاع حدة التوتر بين السلطات في تضخيم حالة الغموض التي سيطرت على تطلعات المستقبل الأمريكي سياسياً واقتصادياً، لتقف الأسواق عاجزة عن تفسير الاضطرابات الحالية أو التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه هذه الأوضاع.


يمكنكم كذلك الإطلاع على: 

 

 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image