حتى لا يطير الدخان في مدينة الضباب..ملخص ما حدث في إنجلترا

حتى لا يطير الدخان في مدينة الضباب..ملخص ما حدث في إنجلترا

في خطوة شجاعة وتاريخية على المستوى الاقتصادي للتاريخ الحديث لبريطانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية وما بعد الملكة إليزابيث الثانية، قرر بنك إنجلترا التدخل لمنح الاقتصاد الإنجليزي المزيد من الاستقرار والوقت.

وأعلن بنك إنجلترا برنامج شرائي يمتد لأسبوعين يقوم فيه البنك بشراء سندات طويلة الآجال، في الوقت الذي يرجئ فيه مبيعات السندات الحكومية قليلة المخاطر والفائدة حتى نهاية أكتوبر.

وأتت خطوات المركزي عقب حركة بيع عنيفة طالت السندات الحكومية الإنجليزية –المعروفة باسم GILTS- عقب كشف الحكومة الجديدة بقيادة ليز تروس عن برنامجها الاقتصادي يوم الجمعة الماضي. وشملت السياسة النقدية لليز روس مساحات واسعة من الخفض للضرائب غير الممولة وهو ما واجه سلسلة اعتراضات عالمية جاء على رأسها تعليقات مهاجمة من صندوق النقد الدولي، وقادت هذه التعديلات في السياسة النقدية الباوند إلى أدنى مستوى تاريخي له مقابل الدولار الأمريكي.

تم اتخاذ القرار من قبل لجنة السياسة المالية بالبنك، المسؤولة بشكل رئيسي عن ضمان الاستقرار المالي، وعللت لجنة السياسة المالية قرارها بالتالي: "لمنع تشديد غير مبرر لشروط التمويل وتقليص تدفق الائتمان إلى الاقتصاد الحقيقي، سنشتري السندات بأي حد ضروري وأن ذلك سيستمر لفترة محدودة."

شكّل إعلان المركزي الإنجليزي الاستثنائي صدمة لصندوق المعاشات، الذي يستثمر في السندات التي ستخسر بطبيعة الحالة نصف قيمتها في أيام من الإعلان. وكان الانخفاض حادًا في بعض الحالات للدرجة التي جعلت الصندوق يستقبل الكثير من نداءات الهامش –وهو طلب من الوسطاء لزيادة رأس المال في الحساب عندما تهبط قيمة الحساب عن النسب المرجوة من الوسيط-.

وتمثل السندات طويلة الأجل حوالي ثلثيّ ما يسمى صناديق الاستثمار المسؤولة والتي تبلغ قيمتها تريليون ونصف جنيه استرليني، وهي دائمًا ما تكون مرفوعة القيمة leveraged وتستخدم سندات طويلة الأمد كضمان جمع السيولة المالية.

وتقع هذه الاستثمارات تحت ملكية نظم المعاشات التقاعدية النهائية، والتي تقبع تحت خطر التعثر وانعدام السيولة مع جبرها بيع المزيد من السندات، مما أدى بدوره إلى انخفاض الأسعار وخفض قيمة أصولهم إلى أقل من التزاماتهم. ونظم معاشات الراتب النهائي هي معاشات تقاعدية شائعة في المملكة المتحدة توفر دخلاً سنويًا مضمونًا مدى الحياة عند التقاعد بناءً على الراتب النهائي أو المتوسط للعامل.

وفي معرض حملة الشراء الاستثنائي للسندات طويلة الأمد، يهدف بنك إنجلترا إلى دعم أسعار السندات ومنح نظم المعاشات التقاعدية الفرصة لإدارة مبيعات هذه الأصول وإعادة تسعيرها في شكل أكثر تنظيمًا، تجنبًا لاستسلام السوق "سقوطه".

وأوضح البنك إنه سيبدأ في شراء السندات طويلة الأمد (يزيد استحقاقها عن 20 عامًا) بما قد يصل إلى 5 مليار باوند في السوق الثانية بداية من الأربعاء الماضي وحتى الرابع عشر من أكتوبر المقبل.

وسيتم تعويض الخسائر المتوقعة، التي يمكن أن تعيد أسعار السندات في النهاية إلى حيث كانت قبل التدخل، ولكن بطريقة أقل فوضوية، بالكامل من قبل وزارة الخزانة في المملكة المتحدة.

احتفظ البنك بهدفه البالغ 80 مليار جنيه إسترليني من مبيعات السندات الذهبية سنويًا، وأجل بدء بيعها –التشديد الكمي- حتى نهاية أكتوبر. ومع ذلك، يعتقد بعض الاقتصاديين أن هذا غير مرجح النجاح.

من الواضح أن هناك استهدافًا للاستقرار المالي في قرار بنك إنجلترا، ولكنه يستهدف أيضًا جانب التمويل. ومن المحتمل ألا يقول بنك إنجلترا ذلك صراحة، لكن الميزانية المصغرة أضافت 62 مليار جنيه إسترليني من إصدارات السندات الذهبية هذه السنة المالية، وزاد بنك إنجلترا مخزونه من السندات الذهبية يقطع شوطًا طويلاً نحو تخفيف مخاوف التمويل في أسواق الذهب. حسبما أوضح الاقتصاديون من ING أنطوان بوفيت وجيمس سميث وكريس تورنر في مذكرة يوم الأربعاء.

وأضافوا: "بمجرد إعادة تفعيل سياسات التشديد الكمي، ستظهر هذه المخاوف من جديد. يمكن القول إنه سيكون من الأفضل أن يلتزم بنك إنجلترا بشراء السندات لفترة أطول من الأسبوعين المعلنين، وتعليق التشديد الكمي لفترة أطول".

وتكشف سردية المركزي عن الوضع الاقتصادي غير المستقر للمملكة المتحدة التوتر الواضح بين سياسة الحكومة المالية المخففة في حين أن البنك المركزي يشدد لمحاولة احتواء التضخم المرتفع.

وقال روبرت جيلهولي، كبير الاقتصاديين في آبردن: "إعادة شراء السندات باسم أداء السوق له ما يبرره ؛ ومع ذلك، فإن هذا الإجراء السياسي يثير أيضًا شبح التمويل النقدي الذي قد يضيف إلى حساسية السوق ويفرض تغييرًا في النهج."

وتابع: "لا يزال بنك إنجلترا في وضع صعب للغاية. قد يكون الدافع وراء "تحريف" منحنى العائد بعض المزايا، ولكن هذا يعزز أهمية التشديد على المدى القريب للحماية من اتهامات بالهيمنة المالية".

ويشير مصطلح التمويل النقدي إلى تمويل البنك المركزي الإنفاق الحكومي بشكل مباشر، بينما تحدث الهيمنة المالية عندما يستخدم البنك المركزي سلطات السياسة النقدية لدعم الأصول الحكومية، مع إبقاء أسعار الفائدة منخفضة من أجل تقليل تكلفة خدمة الديون السيادية.

المزيد من التدخل؟

صرحت وزارة الخزانة يوم الأربعاء بأنها تدعم بشكل كامل مسار عمل بنك إنجلترا، وأكدت مجددًا التزام وزير المالية، كواسي كوارتنج، باستقلالية البنك المركزي.

ويأمل المحللون في أن يساعد تدخل إضافي من جانب وستمنستر أو مدينة لندن في تهدئة مخاوف السوق، ولكن حتى ذلك الحين، من المتوقع أن تستمر الاضطرابات.

قال دين تيرنر، كبير الاقتصاديين في منطقة اليورو والمملكة المتحدة في يو بي إس، إنه يتعين على المستثمرين مراقبة موقف بنك إنجلترا بشأن أسعار الفائدة في الأيام المقبلة.

ولم تر لجنة السياسة النقدية أنه من المناسب حتى الآن التدخل بشأن أسعار الفائدة قبل اجتماعها التالي المقرر في 3 نوفمبر، لكن كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، هوو بيل، رأى أن ما يحدث من انهيار عنيف للباوند وما تبعه من خطوات مالية استثنائية، يستوجب تحركًا هامًا وفوريًا فيما يخص أسعار الفائدة.

لا يتوقع بنك UBS أن يتزحزح البنك عن هذا الأمر، لكنه يتوقع الآن رفع سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في اجتماع نوفمبر، لكن تيرنر قال إن المخاطر تنحرف الآن أكثر نحو 100 نقطة أساس. يقوم السوق الآن بتسعير ارتفاع أكبر يتراوح بين 125 و150 نقطة أساس.

الشيء الثاني الذي يجب مراقبته هو التغييرات في موقف الحكومة. يجب ألا يساورنا شك في أن تحركات السوق الحالية هي نتيجة لحدث مالي، وليس حدثًا نقديًا.

إذا استطاع رأس السلطة في إنجلترا إقناع المستثمرين، خاصة الدوليين، بأن خطط الحكومة ذات مصداقية، فإن التقلبات الحالية يجب أن تهدأ. وفي حال لم ينجح في ذلك، فمن المرجح أن يكون هناك المزيد من الاضطرابات في سوق الذهب، والجنيه الاسترليني، في الأسابيع المقبلة.


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image