لماذا يتراجع سعر الذهب اليوم رغم التوترات الجيوسياسية؟

شهدت أسعار الذهب اليوم الخميس تراجعاً طفيفاً، وذلك رغم حالة القلق التي تسيطر على المتداولين والأسواق العالمية بشأن اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط وتصاعد التوترات في أوروبا.
يأتي هذا التراجع بعد أن فشل المعدن الأصفر في تحطيم قمته التاريخية السابقة التي سجلها هذا العام، مما يعكس صراعاً بين عوامل الدعم الناتجة عن المخاطر الجيوسياسية والضغوط الهبوطية المرتبطة بتوقعات السياسة النقدية الأمريكية.
أداء سعر الذهب اليوم
انخفضت أسعار الذهب في المعاملات الفورية اليوم بنحو 5 دولارات للأونصة، أو ما يعادل 0.15%، لتصل إلى مستويات 3369 دولاراً للأونصة. كما تراجعت العقود الأميركية الآجلة للذهب تسليم شهر أغسطس بنحو 0.6%، أو 19 دولاراً، لتصل إلى مستويات 3390.30 دولار.
وعلى الرغم من هذه التراجعات الأخيرة، فقد نجح الذهب منذ بداية العام الجاري في تحطيم قمم سعرية غير مسبوقة نحو 28 مرة، لتقفز الأسعار في المعاملات الفورية إلى مستويات 3500 دولار للأونصة، بينما سجلت العقود الآجلة مستويات 3509 دولارات للأونصة في شهر أبريل الماضي.
وقد ارتفعت أسعار الذهب بنحو 28.5% منذ بداية العام، و3% خلال الثلاثين يوماً الماضية، مما يؤكد مساره الصعودي القوي.
محركات سعر الذهب اليوم: صراع بين السياسة النقدية والمخاطر العالمية
سقط سعر الذهب اليوم تحت الضغط بعد أن أبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثابتة أمس الأربعاء. ورغم إشارة صانعي السياسات إلى أنه لا يزال من المرجح خفض تكاليف الاقتراض هذا العام، إلا أن رئيس المجلس جيروم باول حذر من المبالغة في تقدير هذا الموقف، متوقعاً تضخماً ملحوظاً في المستقبل نتيجة الرسوم الجمركية.
هذه التوقعات التضخمية، إذا تحققت، قد تقلل من فرص خفض الفائدة، وهو ما يُعد أمراً سلبياً للذهب باعتباره أصلاً لا يدرّ فائدة، ويدعم بدوره قوة الدولار الأمريكي.
وعلى الجانب الآخر، لا يزال الذهب يحظى بدعم قوي من التوترات الجيوسياسية المستمرة، سواء في الشرق الأوسط بين إسرائيل وإيران، أو بين روسيا وأوكرانيا في أوروبا. هذه المخاوف تدفع المستثمرين للبحث عن الملاذات الآمنة.
ويُعزز هذا الدعم بشكل كبير من خلال عمليات الشراء القوية وغير المسبوقة من البنوك المركزية حول العالم. فقد راكمت هذه البنوك أكثر من ألف طن من الذهب في كل من الأعوام الثلاثة الماضية، ويتوقع 95% من المشاركين في استطلاع المجلس العالمي للذهب أن احتياطيات الذهب الرسمية ستستمر في الارتفاع.
هذه البنوك تُقيّم الذهب كأصل استراتيجي هام لدوره في أوقات الأزمات، وقدرته على تنويع المحافظ الاستثمارية، والتحوط من التضخم، ودوره كمخزون للقيمة، بالإضافة إلى تدفقات الاستثمار نحو صناديق المؤشرات المتداولة.
توقعات سعر الذهب
تُشير التوقعات إلى أن سعر الذهب سيظل خاضعاً لتأثير العوامل المتقابلة. فمن ناحية، قد تحد التحذيرات التضخمية للفيدرالي وتوقعاته بشأن أسعار الفائدة من مكاسب الذهب، ومن ناحية أخرى، فإن استمرار حالة عدم اليقين الجيوسياسي والدعم القوي من البنوك المركزية سيحد من أي تراجعات كبيرة.
نخلص من ذلك أن الذهب، رغم فشله في كسر قمته الأخيرة، لا يزال يحتفظ بجاذبيته كملاذ آمن في بيئة عالمية متقلبة، وسيكون مساره المستقبلي مرهوناً بتطورات كل من السياسة النقدية العالمية والأحداث الجيوسياسية.