profile photo

قد يشعر المرء بأنه بمعزل عن الأزمة الروسية الأوكرانية، وأن هذه الأزمة بعيدة كل البعد عنّا مكانيّاً، تقف عند حدود روسيا وأوكرانيا وتمتد بعض الشيء للدول الغربية. لكن احذر عزيز القارئ، فما يحصل اليوم سيكون على الأرجح عنواناً لما سيحصل معك عندما تذهب لشراء قوتك اليومي بعد أشهر قليلة أو حتى بضعة أسابيع! فالعالم الآن كقرية صغيرة وسط العولمة والانفتاح الاقتصادي.

وهذا ما يفسّر لماذا حبس اقتصاديّو العالم أنفاسهم عند تفاقم التوتّر الجيوسياسي الروسي الأوكراني هذه السنة 2022، وتزايد قلقهم بعدما أعلنت الدول الغربية قرارها بتنفيذ عقوبات صارمة على روسيا بعد نزاعها العسكري مع أوكرانيا. واتخذت الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا إلى جانب كندا خطوات لاستبعاد روسيا من نظام "SWIFT" للمدفوعات العالمية بين البنوك، كما وأعلنت دول غربية عقوبات شملت:

·       استهداف مؤسسات مالية روسية شملت " سبيربنك" و" في تي بي بنك" وكذلك " أوتكريتيه" وغيرها

·       منع الاستثمار في ديون روسيا وحقوق الملكية التابعة للدولة الروسية.

·       حظر استثمار الروس في الأوراق المالية الأوروبية.

·       عقوبات وقيود على أفراد من نخبة أثرياء روسيا.

·       تجميد أصول العديد من البنوك الروسية.

·       منع الشركات الروسية من جمع الأموال.

·       حظر تصدير السلع المرتبطة في الاستخدامات العسكريّة والصناعات عالية التقنية إلى روسيا.

·       وضع حد أعلى للودائع للمواطنين الروس ووضع قيود على الودائق المصرفية الروسية.

·       منع التدفقات النقدية من الاتحاد روسيا إلى الاتحاد الأوروبي

·       غيرها من العقوبات.

ومن شأن تلك العقوبات أن تكون سبباً لعزلٍ شبه تامّ للاقتصاد الروسي عن بقيّة العالم، وتجاوب الروبل الروسي مع هذه العقوبات بانخفاض حاد لمستويات قياسية متدنية، حتى أن قيام البنك المركزي الروسي برفع أسعار الفائدة بشكل مفاجئ من 9.5% إلى 20% لم يفلح بإيقاف انخفاض الروبل أمام سلّة العملات.

يحتلّ الاقتصاد الروسي المركز الـحادي عشر ضمن الاقتصادات الأكبر في العالم، وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، يزيد حجم الاقتصاد الروسي عن 1.6 ترليون دولار أمريكي (عام 2019)، ليبدو بأنه اقتصاد متواضع أمام الاقتصاد الأمريكي البالغ حجمه قرابة 22.9 ترليون دولار، والاقتصاد الصيني البالغ حجمه حوالي 16.9 ترليون دولار، إلا أن تأثير الاقتصاد الروسي على العالم قد يكون ضخماً لدرجة أن البنوك المركزية في الدول العظمى قد تكون مجبرة لاتخاذ إجراءات خاصّة للحد من أثر الدمار الاقتصادي المحتمل للأزمة.

يرتكز الأثر الاقتصادي الأبرز للتوّترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا على التضخّم، حيث إن روسيا تعتبر صاحبة ثالث أكبر محصول من القمح عالمياً، وأكبر دولة مصدّرة للقمح، وتستحوذ على حصّة 17% من الصادرات العالمية من القمح، بل أن روسيا وأوكرانيا مجتمعتان يقومان بتصدير أكثر من ربع الصادرات عالمياً من القمح، بأكثر من 55 مليون طن.

ولا يقف الأمر على القمح فقط، بل تعتبر روسيا أحد أهم اللاعبين في الأسواق العالمية بالنسبة للمواد الخام، فحصّة روسيا عالمياً من البلاديوم تبلغ 45%، كما تصدّر روسيا 15% من الحصّة العالمية لمعدن البلاتين، وأكثر من 9% من الذهب. أما بالنسبة للنفط، فتصل حصّة روسيا لحوالي 8.4%. وتقوم روسيا بتزويد الاتحاد الأوروبي بأكثر من 40% من احتياجات الدول من الغاز.

بحسب وكالة رويترز، لم يتأثّر المنتجون ولا الصادرات الروسية حتى لحظة كتابة هذا التقرير بالعقوبات الأمريكية والأوروبية وغيرها، إلا أن العالم يستعد للأسوأ، فهنالك احتمال أن تستخدم روسيا صادراتها كأحد الأسلحة بوجه عقوبات الغرب، أو أن يتم إقرار عقوبات من الولايات المتحدّة وحلفائها على الصادرات الروسية.

ويعتبر النفط أحد أهم الأصول التي قد تؤثّر على العالم في حال نقص المعروض الروسي، إلا أن البيت الأبيض أوضح بأنه سيحاول منع ارتفاع أسعار النفط من خلال الاستعانة بالاحتياطيات النفطية الاستراتيجية، والعمل مع الشركاء الدوليين في هذا الجانب، وتجنّب العقوبات المفروضة على معاملات الطاقة، ويدرس الاتحاد الأوروبي أيضاً استخدام الاحتياطيات الاستراتيجية من النفط لمواجهة الارتفاع الهائل بأسعار النفط الذي حصل منذ بدء الأزمة الروسية الأوكرانية.

الآن، لننظر إلى أسعار السلع والأصول التي ارتفعت حتى قبل توقّف الصادرات الروسية، فيبدو بأن العالم يستعد للأسوأ في الوقت الراهن:

ارتفعت أسعار النفط فوق 105 دولارات للبرميل الواحد ليتم تداول عقود خام برنت عند أعلى أسعاره منذ 2014، وهو العام الذي قامت فيه الدول الغربية أيضاً بفرض عقوبات على روسيا آنذاك. وارتفعت عقود خام برنت خلال شهر فبراير أكثر من 10%، لتواصل صعوداً استمر شهري ديسمبر 2021 ويناير 2022 بلغت نسبته 11% و14.5% على التوالي.

وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي شهر يناير الماضي 2022 بواقع 25%، وارتفعت أسعار الجازولين لنفس الشهر بنسبة 14.6%، تبعها ارتفاع شهر فبراير بحوالي 10%. أما أسعار الفحم، فقد صعدت قرب أعلى مستوياتها على الإطلاق بمكاسب لشهر فبراير 2022 بلغت نسبتها قرابة 19%.

في أسواق المعادن الصناعية، ارتفع سعر النحاس 4% شهر فبراير، ولنفس الشهر حقق سعر الألومنيوم مكاسب بلغت نسبتها 15% ليصل سعر الأخير نحو أعلى مستوى قياسي عبر التاريخ، وبالنسبة للأخشاب، فقد ارتفعت أسعارها بنسبة 30%.

 أما ما يخصّ الغذاء، فقد ارتفعت أسعار الأرز بنسبة 0.2%، لكن بعد ارتفاعات كبيرة لثلاث أشهر زادت نسبتها مجتمعة عن 10%. وبالنسبة لشهر فبراير وحده، فقد ارتفع سعر القمح بحوالي 17%، وزيت النخيل بنسبة 12.6% إلى جانب ارتفاع سعر فول الصويا بنسبة 9.4%، كما وارتفعت أسعار القهوة والجبن والحليب وغيرها بنسبة متفاوتة، لنشهد مقدار الارتفاع الهائل في أسعار سلّة الغذاء الاستهلاكية.

ويكاد الارتفاع بالأسعار يصيب أغلب أدوات السلّة الاستهلاكية، هذا في وقت ارتفعت فيه معدّلات التضخّم في الدول العالمية بشكل حاد حتى قبل الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث أن العالم خرج من أزمة كورونا ليدخل في أزمة التضخّم، والآن جاءت التوتّرات الجيوسياسية لتفاقم أزمة التضخّم.

وارتفع التضخّم في الولايات المتحدّة بحسب مؤشر أسعار المستهلكين لأعلى مستوى منذ 40 عاماً عند 7.5%، وصعدت سعر سلّة الغذاء في المملكة المتحدّة بنحو 5.5%، أما منطقة اليورو، فهي تشهد حالياً أعلى ارتفاع في مؤشر أسعار المستهلكين على الإطلاق، ليصل التضخّم نحو 5.1%.

قراءات التضخّم المشار لها تابعة لشهر يناير الماضي 2022، والآن يقف الاقتصاديّون بترقّب لبيانات شهر فبراير الجاري، والتي قد تشير لمزيد من الارتفاع في معدّلات التضخّم عالمياً. فالأشهر المقبلة ربما سنشهد فيها مزيداً من الصعود في معدلات التضخّم، لتعود ذكريات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي!

التضخّم يتطلّب منّا إيجاد مصادر دخل إضافية، استثمار أموالنا، إلى جانب إنشاء ادخارات مناسبة للظروف القادمة للعالم. فحتى لو كنّا بعيدين عن محور الأحداث مكانياً، لن نكون بعيدين عن الأزمة، فالأزمة ربما ستتسرّب إلى جيوبنا شئنا أم أبينا، فالتضخّم يعتبر أحد المشكلات الاقتصادية الأسوأ في 2022، والتي قد نذكرها لعقود قادمة.

الندوات و الدورات القادمة

أ. وائل مكارم
أ. وائل مكارم

أساسيات واستراتيجيات تداول الذهب XAUUSD

  • الاثنين 15 ابريل 08:30 م
  • 120 دقيقة
سجل اﻵن

مجانا عبر الانترنت

أ. محمد صلاح
أ. محمد صلاح

استراتيجية القناص ونظام مضاعفة رأس المال

  • الخميس 18 ابريل 08:30 م
  • 120 دقيقة
سجل اﻵن

مجانا عبر الانترنت

أ. محمد صلاح
أ. محمد صلاح

تعلم التحليل الأساسي وتأثيره على العملات

  • الاثنين 22 ابريل 08:30 م
  • 120 دقيقة
سجل اﻵن

مجانا عبر الانترنت

large image