الحرب على هواوى

" على الرئيس ترامب ان يستبدل هاتفه ايفون الامريكى بهاتفنا الصينى من نوعية هواوى " ... هكذا جاء رد وزارة الخارجية الصينية  فى اكتوبر الماضى على المزاعم التى افردتها جريدة نيويورك تايمز بأستخدام معدات الاتصالات التابعة لهواوى الصينية  و الموردة للشركات الامريكية فى اعمال تجسس ضد مواطنى الولايات المتحدة ، و لم تكن تلك الدعابة الصينية سوى جزء من مشهد كبير جارى تحضيره على شرف الحرب التجارية خلف الكواليس ...

ففى اغسطس 2018 خرجت تقارير اعلامية عن امتلاك الرئيس الامريكى دونالد ترامب لثلاثة هواتف تضمن وكالة الأمن القومي تماما حماية هاتفين منها ... غير أن ترامب يفضل كثيرا استخدام هاتفه الشخصى الثالث " ايفون " الذى تسمح نقاط ضعفه التقنية بأعتراض الاتصالات و التجسس على المكالمات

نصحت تقارير المخابرات الامريكية وقتها الرئيس ترامب بأستخدام الخط الارضى الآمن للبيت الابيض ، و حذرته من تكرار استخدام ايفون فى محادثاتة السياسية و التجارية مع زعماء العالم لسهولة تجسس عملاء الصين و روسيا على تلك المكالمات

و بنهاية العام 2018 و فى خضم الشد و الجذب التجارى بين الندين الصينى و الامربكى كان لابد من استكمال خيوط المشهد ضد كبرى شركات الاتصالات الصينية ، حيث افتتح النصف الاول فى بداية ديسمبر بخبر اعتقال " منج وانزو " ابنة مؤسس هواوى الصينية و عضوة مجلس الادارة و المديرة المالية لشركة هواوي في كندا بناء على طلب من السلطات الأمريكية ، و هو الامر الذى اثار غضب الصين بشدة و ردت على اثره بأعتقال مسئوليين كنديين على اراضيها لم تفرج عنهما حتى بعد الافراج عن منج وانزو ... الافراج الذى وصفه ترامب بأنه جزء من صفقة تجارية بين بلاده و الصين ...!

حتى جاء النصف الثانى بنهاية ديسمبر من وكالة " رويترز " التى نقلت عن مصادر مطلعة دراسة ترامب اصدار امر تنفيذى فى يناير 2019 يمنع الشركات الامريكية من استخدام معدات الاتصال المنتجة من شركتى " هواوى " و " زد تى اى " الصينيتين لما تمثله من اخطار محققة على الامن القومى الامريكى بعد اشتباه السلطات الامريكية فى توجيه المخابرات الصينية لأعمال هواوى و زد تى اى

طار خبر رويترز من غرب الاطلنطى الى شرقه حيث لقى تأييدا ضمنيا من وزير الدفاع البريطانى " جافن ويليامسون " الذى اعرب عن قلقه الشديد من توسع شركة هواوى الصينية فى استخدام و نشر تكنولوجيا G5 فى بريطانيا ، و ذلك بعد تخلى شبكات مجموعة  " بى تى " البريطانية فى سبتمبر الماضى عن استعمال معدات هواوى الصينية فى اعمالها ... بالاضافة لتراجع بعض الاسواق فى المانيا و فرنسا و استراليا و نيوزيلاندا عن التعامل مع منتجات هواوى خلال الربع الاخير من 2018  ، و هو الامر الذى عزز من خسائر سهم هواوى السنوية الى ما يزيد عن 54 % خلال عام 2018

و ما يزيد الامر تعقيدا ان هواوى تحديدا متهمة ببيع معدات امريكية لصالح ايران التى تواجه عقوبات امريكية قاسية منذ نوفمبر الماضى هذا من جانب ... و من جانب اخر تعد هواوى العمود الفقرى التقنى الاساسى فى المشروع الصينى العملاق مبادرة "  الطريق و الحرير "  الذى يغزو اكثر من 56 دولة ، تمثل ايران احد المحطات الرئيسية فيه ...

و رغم كل المعطيات الكاشفة السابقة لم يعلق كلا من البيت الابيض و لا هواوى و اختها الصينيتان عن ما افردته رويترز كجس نبض لما هو قادم ، إلا ان الخارجية الصينية التى سخرت من ترامب فى بداية المقال دعت فى ردها على اعتزام منع ترامب لشركات بلاده من استخدام معدات الاتصال الصينية الى الانتظار حتى يتأكد الامر رسميا فحقائق الصين تتحدث عن نفسها !
 

• اخيرا ... يبدو مما سبق أن فصول الحرب التجارية بين الولايات المتحدة و الصين لا نهاية لها و لا تسعها مهلة التسعين يوم المتفق عليها فى مجموعة العشرين بين الجانبين للخروج بحلول جزئية مطمئنة للأسواق ، فكل ملف تجارى يتفرع و يرتد الى أصوله السياسية و الاقتصادية و التاريخية لتنمو القضايا بالتراكم فى وجه الاقتصاد العالمى الذى ينتظر على اقل قدر من التفاؤل ان يتبادل الفيل الامريكى و التنين الصينى الادوار فى تناول المطرقة و السندان للتلويح فقط ، دون الاحتكاك المباشر بينهما .