أسعار الذهب في حيرة من أمرها

ارتفعت أسعار الذهب اليوم  لأول مرة في ثلاث جلسات مع تراجع الدولار الأمريكي  وبالتزامن مع صدور بيانات اقتصادية ضعيفة قادمة من الصين والولايات المتحدة الأمريكية.

فأظهرت البيانات الصادرة في بداية الأسبوع، تباطأ نمو الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بشكل واضح وبأكثر من التوقعات، حيث انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي في سبتمبر على أساس سنوي بنسبة  4.9% مقابل 7.4% سابقًا، وهذا يظهر لنا بأن الاقتصاد الصيني بدأ يفقد عزم التعافي الكبير الذي شهده بعد جائحة كورونا.

ما هو ملفت للنظر بأن معدل النمو على أساس سنوي هو الأدنى منذ الربع الثاني لعام 2020، ولو تم استثناء النمو الاقتصادي لـ12 شهر للربع الأوّل والثاني لعام 2020 عندما ضربت جائحة كورونا في الاقتصاد الصيني، سنلاحظ بأن النمو المتحقق خلال الـ12 شهر المنتهية في الربع الثالث الماضي هي الأدنى منذ تسعينيات القرن الماضي.

وارتفع نمو مبيعات التجزئة في الصين إلى 4.4%، إلا أن الاستثمارات في الأصول الثابتة انخفض بأكثر من التوقعات، كما أن نمو الإنتاج الصناعي انخفض إلى 3.1% من السابق 5.3%.

كل ما سبق يعتبر دلائل حقيقية على تباطؤ حاد في الاقتصاد الصيني، وهو عبارة عن تبعية لجائحة كورونا، فقد قدّم بنك بنك الصين الشعبي والحكومة خطط تحفيزية هائلة، كانت السبب وراء النمو الاقتصادي القوي خلال الربع الأوّل من هذه السنة 2021، لكن في نفس الوقت، نلاحظ بأن بنك الشعب الصيني اتخذ إجراءات تحفيز جديدة، على شكل خفض الاحتياطيات المطلوبة من البنوك، ويبدو بأن بنك الشعب بدأ يستشعر بأن الاقتصاد فعلياً بدأ بالتراجع.

بيانات الصين الاقتصادية التي صدرت سابقا ًهذا اليوم تعتبر دلالة على ما سنشهده في الاقتصاد العالمي، فقد حققت الاقتصاديات العظمى نمواً جيداً خلال الفترة الماضية، لكن ها نحن نرى البنوك المركزية وقد بدأت بالقلق من ارتفاع التضخّم، ولذلك ستتوجّه خلال الأشهر المقبلة لتقليل التحفيزات الاقتصادية، مما يهدد بأن نشهد تراجعاً في وتيرة النمو الاقتصادي. 

كما انخفض  مؤشر الإنتاج الصناعي في الولايات المتحدة بنسبة 1.3% خلال سبتمبر/أيلول الماضي  وكل هذه العوامل مؤثرة  على الدولار الأمريكي وعلى عوائد سندات الخزانة الأمريكية.

يجب أن نشير بأن أسعار الذهب تتجاوب مع توقّعات ارتفاع التضخّم، وليس التضخّم الحالي أو السابق. وترتفع أسعار العديد من السلع عالمياً، ومنها سلع استهلاكية، وهذا يعني بأن التضخّم قد يرتفع أكثر ليس فقط في الولايات المتحدّة، بل على مستوى عالمي.

إلى جانب ذلك، لعبت أزمة الطاقة دوراً كبيراً في ارتفاع أسعار الذهب، فأزمة الطاقة تهدد الاقتصاد العالمي، ورغم أن الأزمة لم يبدأ ظهور أثرها على الاقتصاد العالمي، لكن بدأ بالفعل يظهر على القدرة الشرائية للنقد والعادات الاستهلاكية، وربما يكون لها أيضاً تأثير مباشر على التعافي الاقتصادي العالمي.

كذلك، التوقعات في ارتفاع التضخّم داعمة لسعر الذهب، فيما الانخفاض في عوائد السندات الأمريكية، والهبوط الذي شهده الدولار الأمريكي أمس، كانا مساهمين في ارتفاع الذهب، فالذهب تأثّر في أوقات سابقة بارتفاع الدولار والارتفاع الكبير في عوائد السندات، ومع الانخفاض الذي حصل فيهما.

رغم أن الذهب ليس مخزن القيمة المثالي، إلا أن ما لا شك فيه هو أن الطلب ينشأ على الذهب من جهات تطلبه لخزن القيمة ضد مخاطر التضخّم المستقبلية، في وقت يتزايد فيه الخطر جراء ارتفاع التضخّم وأزمة الطاقة العالمية.

وبحسب قسم الدراسات في مجموعة إيكويتي بدأ سعر الذهب تداولات اليوم بميل صاعد ليخترق مستوى 1770.00 ويستقر فوقه، مما يقود السعر لتحقيق مكاسب لحظية متوقعة خلال الجلسات القادمة، مستهدفاً اختبار مستوى 1797.00 مبدئياً.

وبالتالي، نحن نتوقّع أن نشهد مزيد من الارتفاع اليوم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن كسر 1770.00 والثبات دونه من جديد سيتسبب في تفعيل سيناريو الاتجاه الهابط الذي يتواجد هدفه الأول عند 1734.00.