صراع فوق الأونصة

في زمن تتقاطع فيه الأزمات الجيوسياسية مع التحولات الاقتصادية العميقة، يظل الذهب مؤشرًا حساسًا ينبض مع كل نبضٍ من العالم، من ساحات الحروب إلى قاعات السياسة النقدية.
وخلال النصف الأول من يونيو 2025، وجد المعدن الأصفر نفسه في مهب ريحين: تصعيد خطير في الشرق الأوسط بين إسرائيل وإيران، وتوجهات اقتصادية تقودها البنوك المركزية الكبرى.
كيف تحرك الذهب؟ وما الذي ينتظره السوق في الأيام المقبلة؟

إليك قراءة شاملة للواقع والتوقعات.

انطلاقة الأسبوع: ارتفاع حذر بعد تراجع مفاجئ

أنهى الذهب تداولات يوم الجمعة 14 يونيو عند 3432.64 دولارًا للأونصة، بعد تراجعه عن ذروته الأسبوعية التي لامست 3445 دولارًا.
لكن بداية الأسبوع الجديد، الإثنين 16 يونيو، شهدت افتتاحًا على سعر 3444.83 دولارًا، في دلالة على محاولة السوق التعافي وسط استمرار الضبابية.
هذا التحرك المحدود يخفي صراعًا صامتًا بين القوى الدافعة نحو الصعود، والعوامل التي تكبح الانطلاقة.

صراع الشرق الأوسط: تأثير محدود رغم ضجيج المدافع

اندلاع هجوم إسرائيلي داخل الأراضي الإيرانية في بداية الأسبوع أثار قلقًا عالميًا واسعًا، وأحدث ارتباكًا في الأسواق المالية. النفط تفاعل بسرعة وقفز بنسبة تتجاوز 5%، مستجيبًا للمخاوف بشأن الإمدادات.
لكن الذهب، ورغم كونه ملاذًا آمنًا تقليديًا، لم يرتفع بنفس الزخم.

أسباب هذا السلوك الغريب:

قوة الدولار الأمريكي التي شكلت ضغطًا مباشرًا على أسعار الذهب.
استمرار بنك الاحتياطي الفيدرالي في التلويح برفع الفائدة، مما قلل شهية المستثمرين للمعدن النفيس.
قيام المتداولين بجني الأرباح بعد ارتفاعات متتالية.
تفاوت استجابة الأصول: بينما ارتفع النفط بدافع المخاطر الجيوسياسية الفورية، كان الذهب أكثر تأثرًا بالعوامل الاقتصادية العميقة.

التوترات وحدها لم تكن كافية لدفع الذهب إلى قفزات كبيرة، بفعل وجود قوى معاكسة تعزز التوازن الهش في السوق.

الدعم والمقاومة: أرض المعركة الفنية

رغم التوترات الحادة بين إسرائيل وإيران، فإن الذهب لم يصعد بقوة الأسبوع الماضي بسبب عوامل اقتصادية وفنية قوية مثل قوة الدولار وتوقعات رفع الفائدة.
النفط كان هو المستفيد الرئيسي من تصاعد التوترات، مما يعكس أن الأسواق تستجيب بشكل مختلف لأحداث الشرق الأوسط حسب نوع الأصل.
الدعم الحاسم للذهب حاليًا هو منطقة 3420–3400، والتي يجب مراقبتها عن كثب.
كسر هذا الدعم قد يفتح الباب لمزيد من التصحيح الهبوطي، بينما الارتداد منه مع ظهور إشارات فنية قد يشير إلى بداية موجة صعود جديدة.

أربعة سيناريوهات تنتظر الأونصة

1. التصعيد الجيوسياسي يتصدر المشهد
إذا توسع الصراع بين إيران وإسرائيل أو دخلت أطراف جديدة على خط النار، فإن الذهب قد يندفع بقوة مخترقًا مستوى 3445، ليفتح الطريق نحو 3460 ثم 3500 دولار.
توصية: راقب الإغلاقات اليومية فوق 3445 للدخول في صفقات شرائية مدروسة.

2. تهدئة مؤقتة تعيد التوازن
في حال ظهرت جهود دبلوماسية أو تراجعت حدة التغطية الإعلامية، قد يشهد السوق تراجعًا هادئًا نحو منطقة 3400–3420، دون كسرها بشكل حاد.
فرصة: تعزيز المراكز الشرائية بعد تأكيد إشارات ارتداد.

3. قوة البيانات الاقتصادية تُعيد الدولار للمقدمة
إذا صدرت مؤشرات إيجابية من الاقتصاد الأميركي (نمو قوي، بطالة منخفضة، تضخم معتدل)، فقد تتزايد الضغوط على الذهب، ويدفعه ذلك نحو مستويات 3380 دولار أو أقل.
تنبيه: الابتعاد عن مراكز الشراء ما لم تظهر إشارات انعكاس واضحة.

4. نمط التداول العرضي يستمر
إذا استمر تداخل المؤثرات دون حسم أي اتجاه، فقد يتحرك الذهب داخل نطاق محدود بين 3400 و3450 دولار، ما يخلق فرصًا للمتداولين اليوميين.
استراتيجية: الشراء والبيع ضمن النطاق، مع وقف خسارة محكم.

تكتيكات حسب الأفق الزمني

المتداولون اليوميون
تحرّك ضمن النطاقات الفنية الواضحة، واحرص على استخدام وقف خسارة دائم، ولا تدخل بمراكز كبيرة دون تأكيدات فنية.

المستثمرون متوسطو الأجل
احتفظ بمراكزك الشرائية فوق 3400، وفكر في التعزيز عند الهبوط إلى 3420 أو أقل، طالما بقيت التوترات قائمة.

أصحاب الرؤية الطويلة
الذهب يظل ملاذًا آمنًا في بيئة عالمية غير مستقرة، فحافظ على التنويع، ولا تتعامل مع التراجعات كتهديد بل كفرصة.

 الذهب يتكلم.. فهل نستمع؟

في عالم يتغيّر كل ساعة، لا يُقاس الذهب فقط بالأرقام بل بالإحساس العام بالثقة والخوف.
هو ليس أصلًا جامدًا بل "مؤشر عاطفي" يعكس تفاعلات البشر مع المستقبل.
من يقرأ الذهب جيدًا، لا يقرأ فقط السوق، بل يقرأ نبض العالم.

استثمر بذكاء، وابقَ يقظًا، لأن الفرص لا تطرق الأبواب مرتين.