الأزمة الأوكرانية بين روسيا وأوروبا

الأزمة الأوكرانية بين روسيا وأوروبا

جذبت الأزمة الأوكرانية المتصاعدة أنظار العالم في الفترة الأخيرة، واجتمع قادة العالم محاولين إيجاد حل سلمي وسياسي للأزمة، وشاهدنا زيارات ولقاءات وكذلك تهديدات بفرض عقوبات. فما هي تداعيات الأزمة الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟

بدأت الأزمة الأوكرانية من منطلق سياسي عندما تم عزل الرئيس، فيكتور يانوكوفيتش، على خلفية انسحابه من اتفاقيات اقتصادية تمهد ضم أوكرانيا للاتحاد الأوروبي كان من المقرر عقدها مع الاتحاد الأوروبي، مما دفع الشعب الأوكراني إلى الخروج للشوارع والميادين مطالبين بعزله، ثم انتقاله إلى روسيا مما أنشأ قلاقل واضطرابات بين أوكرانيا وروسيا كانت آخرها حصار ميليشيات مسلحة لمقر قيادة الجيش الأوكراني في شبه جزيرة القرم التي تطل على البحر الأسود، والتي بعد ذلك أجرت استفتاء قررت فيه الانضمام لروسيا بدلًا من أوكرانيا، مما زاد من حدة التوترات بين البلدين. كذلك كان الموقف الروسي مناهض للحركة الاحتجاجية ضد الرئيس المعزول ولكن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية كانوا داعمين لهذه الحركة.

ولكن تداعيات هذه الأزمة اقتصادية أكثر منها سياسية. صحيح أن أوكرانيا لم تعد قوة اقتصادية كبيرة مثلما كانت في الحقبة السوفيتية، إلا أنها لا تزال تحتفظ بموقعها الجغرافي المتميز الذي يعتبر حلقة الوصل بين روسيا وأوروبا ، كثلك تعتبر مصدر رئيسي للقمح في العالم. ويزيد من تعقد هذه الأزمة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين روسيا وأوروبا، فحوالي 25% من الغاز الذي يستهلكة الاتحاد الأوروبي يأتي من روسيا عبر أوكرانيا، وكذلك تصل نسبة واردات الطاقة الروسية من أوروبا إلى ما يزيد على 40%.

ربما تكون الولايات المتحدة الأمريكية أقل الدول تضررًا من الأزمة، نظرًا لحجم التبادل التجاري الضعيف للغاية مع روسيا الذي لا يتعدى خمسة ملايين دولار أمريكي، ولهذا نراها متحمسة بشكل كبير لفكرة فرض عقوبات اقتصادية عليها مثلما فعلت ما إيران. إلا أن أسعار الطاقة تتحدد في الأسواق العالمية، وإذا ما تصاعدت الأزمة فمن المرجح أن ترتفع ولكنها لن تقتصر على أسعار الطاقة فحسب ولكن أيضًا أسعار القمح وبعض المواد الغذائية الرئيسية. فروسيا ليست دولة صغيرة ولكنها أكبر مصدر للغاز في العالم وهي أيضًا قوة عالمية لها مؤثرة.

وبالفعل تم فرض عقوبات على بعض الشخصيات والمسئولين الروس، ولكن هذه العقوبات لم تطل الشركات الروسية. وفي وقت سابق عندما حدثت أزمات مثل أزمة جورجيا وأوسيتيا في عام 2008، أو حرب الأيام الخمس، قامت روسيا بوقف إمدادات النفط والغاز، وهذا الأمر من المحتمل أن يتكرر مرة ثانية على خلفية الأزمة الأوكرانية.

ولهذا يقع الاتحاد الأوروبي كما يُقال ما بين المطرقة والسندان، فحجم تجارته مع روسيا كبير وإذا ما تم تصعيد فرض العقوبات على الشركات الروسية، ربما ترد روسيا بوقف الإمدادات. ولكن من الناحية الأخرى، نرى أن روسيا لم تكتفي بضم شبه جزيرة القرم فقط ولكن المناوشات بدأت في شرق أوكرانيا، مما يوحي بمزيد من التصعيد وليس التوجه نحو حل سلمي وسياسي.

من العوامل التي ربما تؤثر أيضًا في الأزمة الأوكرانية تواجد قواعد لحلف الأطلسي الناتو بالدول المحيطة بروسيا مثل بولندا ورومانيا وغيرها وتصريحات هذه الدول التي تعتبر استفزازية وداعية إلى التصعيد، التي كانت خلال زيارات لنائب الرئيس الأمريكي وسكرتير حلف الناتو ورئيس المخابرات الأمريكية إلى بعض هذه الدول في الآونة الأخيرة مع وقف حلف الناتو لجميع أشكال التعاون العسكري مع روسيا، ولكن على الجانب الآخر نرى تعقل بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا التي تدعو إلى الحل السلمي لهذه الأزمة.

تقف الصين كذلك موقفًا حياديًا من الأزمة، فقد عارضت في الأمم المتحدة فرض عقوبات على روسيا ولكنها من الجهة الآخرى امتنعت عن التوصيت بشأن ضم جزيرة القرم غلى روسيا، فالصين تعيش أزهي عصورها في العلاقات مع روسيا على الصعيدين السياسي والاقتصادي. ولا يجب أن ننسى أن الصين وروسيا عضوين في مجموعة البريكس.

من المؤكد أن عواقب الأزمة ستكون وخيمة على كل من روسيا وأوروبا، فقد شاهدنا تراجع الروبل الروسي على نحو هائل مما دفع البنك المركزي الروسي إلى التدخل ورفع معدلات الفائدة لجعل الأسواق تستقر، كذلك النمو الاقتصادي الهزيل لدول الاتحاد الأوروبي ربما يتلقى ضربة قاسمة مما يهدد بركود اقتصادي. وتأثير هذه الأزمة لن يكون يسيرًا على الولايات المتحدة الأمريكية ونموها الاقتصادي، فهذه الأزمة ستهدد برفع الأسعار عالميًا مما سيوقف الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة ويجعلها تعود إلى مرحلة النمو البطئ الذي أعقب الأزمة المالية العالمية في 2008.

 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image