حصاد عام 2015 لليورو وأهم البيانات المؤثرة على قرارات المركزي الأوروبي

حصاد عام 2015 لليورو وأهم البيانات المؤثرة على قرارات المركزي الأوروبي

تستعد الأسواق لقرار البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس المقبل والذي من المتوقع أن يتخذ المزيد من الإجراءات التسهيلية لتحفيز النمو الاقتصادي ولكن في هذا التقرير المطول سوف نوفر لكم نظرة شاملة تفصيلية للوضع الاقتصادي في منطقة اليورو هذا العام وسوف نقدم لكم السيناريو المتوقع في تقرير آخر بالإضافة إلى فرص تداول اليورو بنهاية اليوم تابعونا.

نذكر أن دراجي، محافظ البنك المركزي الأوروبي، قد أعلن في 22 يناير هذا العام عن إجماع أعضاء البنك بضرورة بدء برنامج شراء أصول موسع ( التيسير النقدي) مع البدء في عمليات الشراء في شهر مارس وحتى سبتمبر 2016 وعلى أن يبلغ حجم البرنامج 60 مليار يورو شهريًا. وقد أشار دراجي إلى أن هذا البرنامج من شأنه أن يتصدى للمخلطر على النمو الاقتصادي ومعدلات التضخم.

وقد بدء دراجي، منذ بداية البرنامج في 3 مارس، في التأكيد على فعالية برنامج شراء السندات في دعم النمو في العديد من المؤتمرات الصحفية التي أعقبت هذا الاجتماع مشيرًا إلى تحسن توقعات الأسواق بشأن معدلات التضخم في منطقة اليورو، خاصًة عقب ارتفاع المعدلات خلال تلك الفترة من -0.6% إلى 0.3% كما تم مراجعة توقعات التضخم لعام 2015 على نحو مرتفع مع الإبقاء على التوقعات لعامي 2016 و2017.

ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن فقد عملت أسعار النفط على زيادة الضغوط على التضخم الأمر الذي أدى إلى تغير نبرة دراجي خلال المؤتمر الصحفي في يوليو الماضي ليشير إلى تراجع مؤشر أسعار المستهلكين في يونيو ومتوقع استقراره عند مستويات منخفضة في ظل انخفاض أسعار النفط، وتحولت نبرة دراجي من الإيجابية إلى السلبية بشكل واضح خلال المؤتمر الصحفي في سبتمبر والذي أشار فيه إلى احتمالية تراجع معدلات التضخم إلى النطاق السلبي خلال الشهور المقبلة مع تزايد المخاطر الهبوطية واحتمالية مد فترة برنامج التيسير النقدي بناء على مدى تحسن البيانات والتضخم حيث أن أسعار النفط قد غيرت من توقعات التضخم بالإضافة إلى ضعف الاقتصاد الصيني.

وقد استمرت تلك النبرة في اجتماع أكتوبر الماضي خاصًة عقب تراجع مؤشر أسعار المستهلكين إلى النطاق السلبي مرة أخرى عند -0.1% على أساس سنوي بالإضافة إلى ارتفاع قيمة اليورو والتي تحد بالطبع من ارتفاع التضخم وتقليل القدرة التنافسية للصادرات الأوروبية، وبالفعل فقد أشار دراجي إلى استمرار المخاطر الهبوطية والتي تحد من ارتفاع معدلات التضخم وسوف يستمر برنامج التيسير النقدي حتى سبتمبر 2016 أو ما بعد ذلك إذا لزم الأمر مع مناقشة خيار خفض معدلات الفائدة على الودائع مرة أخرى.

وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية الحالية مع تصريحات أعضاء البنك ودراجي خلال الفترة الحالية خاصًة عن تصريحه باحتمالية إعادة النظر في برنامج التيسير النقدي في حال تزايد المخاطر الهبوطية، فقد ازداد ترقب الأسواق لاجتماع البنك في ديسمبر المقبل مع تزايد التوقعات بإتخاذ البنك مزيد من الإجراءات التسهيلية سواء يتضمن ذلك زيادة برنامج التيسير النقدي أو خفض معدلات الفائدة.

أما بالنظر إلى قيمة اليورو، فمع بدء برنامج التيسير النقدي تراجعت قيمة اليورو مقابل الدولار الأمريكي لتسجل أدنى مستوياتها على مدار العام عند 1.0461 يوم 13 مارس، ثم أخذت في الارتفاع مرة أخرى مع تحسن الأوضاع الاقتصادية في منطقة اليورو مرة أخرى لتصل إلى أعلى مستوى لها على مدار العام عند 1.1713 يوم 24 أغسطس الماضي (الاثنين الأسود)، ومنذ ذلك الوقت يشهد زوج اليورو دولار تراجعًا مع زيادة المخاطر الهبوطية بالإضافة إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية الأمريكية واقتراب الاحتياطي الفيدرالي من رفع معدلات الفائدة ليجرى تداول الزوج حاليًا قرابة المستوى 1.0616. وعلى هذا النحو نُلاحظ تراجع اليورو أمام الدولار بنسبة 10% على مدار العام، بينما تراجع أمام الاسترليني بنسبة 10.34%، وبنسبة 7.09% أمام الين الياباني.

 

تغير قـيمة اليورو أمام الـدولار والجـنيه الاسترليني واليـن

وبعيدًا عن ضعف الأوضاع الاقتصادية، واجهت منطقة اليورو أزمة حذر منها المحللون بأنها قد تتطور لتصبح أكبر تهديد لأكبر اقتصاد في أوروبا ألا وهي فضيحة الانبعاثات التي ضربت سمعة الشركة الألمانية فولكس فاجن وقطاع الأعمال بأكمله في ألمانيا، وذلك على اعتبار أن فولكس فاجن تعد أكبر شركة لصناعة السيارات في ألمانيا وأحد أكبر أرباب العمل في البلاد حيث توظف 270 ألف شخص ويمثل صادرات السيارات خمس إجمالي الصادرات الألمانية

فقد أظهرت الأنباء قيام الشركة بالغش في اختبارات الانبعاثات لسياراتها التي تعمل بالديزل في الولايات المتحدة، وقد قام الرئيس التنفيذي لـلشركة، مارتن فينتركورن، بتقديم استقالته على إثر هذه الأنباء. وقد أثارت هذه الفضيحة مخاوف من احتمالية وجود تراجع كبير في عدد الوظائف نظرًا للغرامات الضخمة التي قد تواجهها الشركة. وكنتيجة لهذه الفضيحة، فقد تراجع سهم فولكس فاجن بحوالي 20% من قيمته في يوم واحد وفقد حوالي 20 مليار يورو، كما سجلت الشركة خسائر تقدر بحوالي 1.7 مليار يورو في الربع الثالث من العام عقب هذه الكارثة الأمر الذي اضطر الشركة إلى إتخاذ قرار خفض النفقات الرأسمالية بمقدار 12 مليار يورو كحد أقصى العام المقبل في محاولة لتغطية التكاليف.

وقد حاولت الشركة استعادث ثقة الأسواق مرة أخرى عقب هذه الفضيحة ليأتي تصريح الرئيس التنفيذي الجديد للشركة، ماتياس مولر، بأن الشركة الألمانية المتخصصة في صناعة السيارات وضعت خطة إصلاح شاملة ستقدمها للجهات التنظيمية بهدف التأكد من أن النماذج الجديدة التي تعمل بالديزل من إنتاجها تحقق المعايير الخاصة بالانبعاثات، كما أعطت المفوضية الأوروبية الشركة مهلة حتى نهاية العام لتقديم المعلومات المطلوبة لتوضيح المخالفات بشأن مستويات ثاني أكسيد الكربون في انبعاثات العادم في سيارتها، الأمر الذي قد يضعف ثقة المستثمرين في أقوى دولة بالمنطقة.

 

                              

التيسير النقدي بمنطقة اليورو:

ظهرت فكرة اللجوء إلى إطلاق برنامج شراء السندات أو ما يُعرف اقتصادياً باسم "التيسير النقدي" بمنطقة اليورو أواخر العام الماضي عندما تزايدت المخاطر الهبوطية على اقتصاد المنطقة مع استمرار عواقب الأزمة المالية العالمية في العام 2008 والتي أطاحت بالاقتصادات العالمية الكبرى. ظل برنامج التيسير النقدي بمنطقة اليورو محط جدل في الأوساط الاقتصادية والمالية حول العالم حتى قبل الإعلان عنه مطلع العام الجاري وبالتحديد خلال شهر يناير الماضي، كما أن لجوء المركزي الأوروبي إلى التوسع في سياسته التسهيلية التي أعقبت الأزمة العالمية قد تناقض بشكل ملحوظ مع توجهات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي أنهى التيسير النقدي خلال العام الماضي نظراً لتحسن الوضع الاقتصادي بالبلاد في ذلك الوقت. الأمر الذي دفع الأسواق إلى عقد مقارنة ما بين الاقتصادين الأوروبي والأمريكي لتتجسد بنحوٍ سلبي على تداولات اليورو دولار منذ ذلك الحين وحتى الآن.

في منتصف مارس الماضي، بدأ المركزي الأوروبي تفعيل برنامج التيسير النقدي والذي يُقدر حجمه بواقع 60 مليار يورو شهرياً يمتد حتى سبتمبر 2016. كان للبرنامج تأثير إيجابي ملحوظ على اقتصاد المنطقة خلال الشهور التالية انعكست على تعافي معدل التضخم بالمنطقة إلى 0.3% خلال مايو الماضي. كان ذلك قبل أن تُثار التساؤلات حول ما إذا كان البرنامج فعالاً بالقدر الكافي أم أن المركزي الأوروبي بحاجة إلى التحرك مرة أخرى لحماية اقتصاد المنطقة من الانزلاق إلى خطر الركود الذي عاد ليهدد المنطقة من جديد، طبقاً لما أظهرته البيانات الاقتصادية. يُذكر أن تقلبات الوضع الاقتصادي العالمي خلال الفترة الأخيرة الماضية قد عملت على تزايد المخاوف حول قدرة اقتصاد منطقة اليورو على التصدي لتلك الموجة الانكماشية خاصة مع غموض التطلعات الاقتصادية حول العالم. الأمر الذي أثقل عملية التعافي الاقتصادي بالمنطقة إلى جانب أزمة النفط العالمية وتباين توجهات السياسة النقدية ما بين المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي، كما استمر التأثير الغامض لهبوط الأسواق الناشئة على النشاط الاقتصادي العالمي محلاً للمخاوف.

هذا، وقد أطل علينا محافظ المركزي الأوروبي "ماريو دراجي" خلال شهر أكتوبر الماضي ليشير إلى تخوف البنك من سيطرة الضغوط الهبوطية على النمو الاقتصادي بالمنطقة ومنع معدل التضخم من استهداف النسب المحددة له عند 2%  في وقت قريب، مؤكداً على استعداد البنك للتدخل مرة أخرى واستخدام كافة الأدوات المتاحة له لدعم النمو الاقتصادي بالمنطقة والتصدي للمخاطر القائمة. عمل ذلك على تعزيز توقعات الأسواق التي اتجهت بدورها نحو إحتمالية لجوء المركزي الأوروبي إلى المزيد من التدابير التسهيلية خلال ديسمبر الجاري، في حين بقيت الأسواق الاقتصادية مشتتة حول الخطوات المحتملة للفترة المقبلة. فقد اتجه البعض نحو إحتمالية مد الإطار الزمني لبرنامج التيسير النقدي المحدد له إلى ما بعد سبتمبر 2016، بينما اتجهت العديد من الآراء نحو إمكانية زيادة حجم البرنامج، وهناك من يرون أن المركزي الأوروبي قد يلجأ إلى أدوات تسهيلية أخرى.

 

معدلات التضخم:

كغيره من الاقتصادات العالمية، تأثر الاقتصاد الأوروبي بالضعف المتواصل في مسار الاقتصاد العالمي وتقلبات الأسواق بين الحين والأخر في ظل تداعيات الأزمة المالية في العام 2008،  ليواجه العديد من الضغوط الهبوطية والتي كانت ذو تأثير سلبي على معدلات التضخم بالمنطقة. في أواخر العام الماضي، استمر معدل التضخم بالمنطقة في الهبوط وصولاً إلى النطاق السلبي للمرة الأولى منذ الأزمة العالمية مسجلاً -0.2% ثم سجل أدنى مستوياته منذ يوليو 2009 عند -0.6% وذلك خلال يناير الماضي. الأمر الذي استدعى تدخل المركزي الأوروبي ليعلن عن بدء التيسير النقدي بالمنطقة ضمن محاولاته للتصدي لتباطؤ النمو الاقتصادي. أبدى برنامج التيسير النقدي فاعلية ملحوظة انعكست على تعافي معدل التضخم بالمنطقة خلال مايو الماضي ليرتفع إلى النسبة 0.3% قبل أن يعاود تراجعه مجدداً إلى النطاق السلبي خلال سبتمبر الماضي بنسبة -0.1%. على هذا النحو أكد دراجي على استعداد البنك للتدخل واستخدام كافة الأدوات المتاحة لمواجهة ذلك التراجع. على الجانب الأخر، تُظهر معدلات التضخم بقيمتها الأساسية بعض التماسك مستقرة ضمن النطاق الإيجابي، مما يعكس التأثير السلبي لهبوط أسعار النفط حول العالم. حتى مع تعافي معدل التضخم إلى النسبة 0.1% خلال أكتوبر الماضي، يرى الكثيرون وعلى رأسهم المركزي الأوروبي بأن معدلات التضخم بالمنطقة لاتزال عرضة للمخاطر الهبوطية مما قد يدفعها إلى التراجع مرة أخرى.

يوضح الرسم البياني التالي مسار معدل التضخم بمنطقة اليورو منذ منتصف العام 2014 وحتى أكتوبر الماضي

إجمالي الناتج المحلي:

ولم تكن معدلات النمو بمنأى عند الضعف الذي أصاب جوانب الاقتصاد الأوروبي. لكن على الرغم من عدم قدرته على استهداف توقعات الأسواق، إلا أن إجمالي الناتج المحلي بالمنطقة قد أظهر تعافياً إلى النسبة 0.4% على مدار الربع الأول من العام الجاري، والتي تعد أعلى مستوياته منذ نفس الفترة من العام 2011. كان ذلك قبل أن يسجل بعض التراجع ليستقر عند النسبة 0.3% خلال الستة أشهر التالية، ويجدُر بالذكر أنه قد تم مراجعة  قراءة الربع الثالث على نحوٍ مرتفع إلى النسبة 0.4%.

معدلات الفائدة

قام المركزي الأوروبي لأول مرة بخفض معدلات الفائدة مرتين خلال عام واحد وهو عام 2014 الأولى في يونيو حيث خفض معدلات الفائدة من 0.25% إلى 0.15%، والمرة الثانية في سبتمبر إلى 0.05% في محاولة للحد من مخاطر الانكماش أبقى المركزي الأوروبي على معدلات الفائدة كما هي عند 0.05% طوال العام الجاري. وأعلن عن خفض الفائدة على الودائع البنكية إلى النسبة -0.2% في سبتمبر 2014، مؤكداً على أن تلك النسب هي الأدنى على الإطلاق، لافتًا أن مثل تلك الخطوة من شأنها أن تشجع البنوك على اقراض المزيد من الأموال مما يحفز بدوره النمو الاقتصادي

سوق العمل

تراجعت معدلات البطالة في منطقة اليورو على أساس موسمي بشكل طفيف في سبتمبر الماضي ليسجل أدنى مستوى له منذ يناير 2012 عند 10.8% وهو أفضل من القراءة السابقة التي سجلت 10.9%. وجدير بالذكر أيضًا أنه أفضل من سبتمبر 2014 حيث سجلت معدلات البطالة حينها 11.5%. وعلى الجانب الأخر تحسنت معدلات البطالة على أساس ربع سنوي، لتسجل في الربع الثاني 5.7% بينما سجل في الربع الأول 6%.هذا وقد ارتفاع عدد العاملين في منطقة اليورو إلى 150.97 مليون عامل في الربع الثاني من العام الجاري مقارنة بعدد 150.29 مليون عامل في الربع الأول. وبالتالي نجد أن معدلات التوظيف قد شهدت تحسنًا في الربع الثاني لتسجل 0.3% مقارنة بالقراءة السابقة عند 0.2%. وعلى صعيدٍ أخر، ارتفعت معدلات الأجور بنسبة 1.9% في يونيو من العام الجاري مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي، وبالتالي يمكننا القول أن سوق العمل الأوروبي بوجهٍ عام يشهد تحسنًا وإن كان بوتيرة ضعيفة.

 

       

 

وبالطبع لا نستطيع أن نغفل أهم الأحداث بمنطقة اليورو هذا العام والتي تسببت في تقلب الأوضاع الاقتصادية والسياسية ألا وهو ملف اليونان:

بدأت رحلة الديون اليونانية عندما تعرض الاقتصاد اليوناني لأزمة مالية في عام 2010 بسبب تفاقم الدين العام والذي نتج عنه ضعف الاقتصاد كاملاً داخل البلاد. ففي عام 2009، سجل إجمالي الناتج المحلي باليونان 341.6 مليار دولار، مما دفع الحكومة اليونانية في عام 2010 إلى اللجوء لكلٍ من الإتحاد الاوروبي وصندوق النقد الدولي مطالبة بتفعيل خطة إنقاذ تتضمن عددًا من القروض في محاولة لمساعدة اليونان على تخطي الازمة وتجنب خطر الإفلاس مقابل أن تتعهد الحكومة بتنفيذ مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية وتبني سياسة تقشفية التي تهدف بشكل أساسي إلى السيطرة على الإنفاق الحكومي وزيادة الضرائب. يقتضي هذا البرنامج بمنح اليونان قروضًا وصلت قيمتها إلى 110 مليار يورو يتم سدادها على مدار 3 أعوام لينتهي في يونيو 2013 بفائدة تصل إلى 5.2%، وفي مارس 2011 تم خفض معدلات الفائدة لتصل إلى 4.2% ومد فترة السداد من 3 أعوام إلى 7 أعوام واشترطت المؤسسات حينها على اليونان بتطبيق السياسة التقشفية لتساعدها في خفض معدلات الإنفاق وتقليص عجز الدولة إلى 8.1% من حجم إجمالي الناتج المحلي.

 وفي فبراير 2012، تم منح اليونان برنامج مساعدات آخر ليبلغ حجم البرنامج 130 مليار يورو كما تم شطب بعض الديون اليونانية والتي تبلغ 107 مليار يورو، أما ديون الدول الدائنة والتي بلغت في مجموعها 130 مليار يورو يتم سدادها بشكل تدريجي حتى العام 2014. واستهدف البرنامج أيضًا إعادة هيكلية الديون اليونانية والتي بلغت حينها 350 مليار يورو وتقليصها من 160%  إلى 120.5% من إجمالي الناتج المحلي.

ومع بداية العام الجاري 2015 وتحديدًا يوم 25 يناير استطاع حزب سيريزا اليساري المعارض للتدابير التقشفية أن يضمن الأغلبية في البرلمان ليصرح بعدها رئيس الوزراء وزعيم الحزب "اليكس تيسبراس" بأن الأوضاع الحالية متأزمة للغاية لافتًا إلى أن بلاده تعاني أزمة إنسانية ولهذا ترغب الحكومة الجديدة في عدم سداد أية أموال بالإضافة إلى تخفيف عبء الديون وإنهاء برنامج المساعدات الذي بلغت قيمته 366 مليار دولار، ولكن قابلته حكومات الاتحاد الأوروبي ومن أهمها الحكومة الألمانية بالرفض حيث صرحت بأن إلغاء الديون على اليونان أمرًا غير قابل للتفاوض مما يشير إلى أن كلا الجانبين غير مستعدين للتنازل لتبدأ المفاوضات المثيرة للجدل والتي استمرت طوال العام.

ومع فشل اليونان في عمليات خفض الإنفاق أو إعادة جدولة الديون بالإضافة إلى ضعف النمو الاقتصادي والإضرار بالأوضاع المالية بشكل أقوى مما كان متوقعًا، قرر البنك المركزى الأوروبى توفير سيولة طارئة للبنوك اليونانية كوسيلة مؤقتة بعد أن تم وقف قبول السندات اليونانية كضمان للقروض من المركزى الأوروبى في بداية فبراير الماضي بمقدار 5 مليار أخرى لتصل قيمتها إلى 65 مليار يورو، واستمر الوضع هكذا إلى أن استقر حجم السيولة الطارئة للبنوك اليونانية عند 88.9 مليار يورو يوم 22 يوليو. واستمر تفاقم الأزمة اليونانية حتى أعلن تسيبراس عن استفتاء شعبي يوم 5 يوليو حول برنامج المساعدات وهو ما سوف يحدد ما إذا كانت اليونان سوف تظل تحت جناح الاتحاد الأوروبي أم أنها سوف تشق طريقها بنفسها. لتظهر النتائج النهائية بحصول نسبة المصوتين بـ "لا" على النسبة الأعلى بواقع 61.31% بينما حصل المصوتين بـ "نعم" على 38.69%.. وفي يوم 6 يوليو استقال فاروفاكس عن منصب وزير المالية على الرغم من التصويت بلا، ليبدأ إقليدس تساكالوتوس في احتلال هذا المنصب والذي يعرف بالتزامه الدائم لمبدأين أساسيين وهما: عضوية منطقة اليورو و توظيف الحكومة من أجل تحقيق التطوير وإحداث تغيير اجتماعي.

وعلى الرغم من نتائج التصويت، إلا أنه في يوم 8 يوليو طالبت اليونان ببرنامج مساعدات مالية ثالث تصل مدته إلى ثلاث سنوات ويبلغ 86 مليار يورو، كما تعهدت بتطبيق الإصلاحات المتفق عليها بشأن الضرائب والمعاشات التقاعدية وهو مايتعارض مع الوعود التي قدمها حزب سيريزا للشعب اليوناني. وبالتالي يمكننا القول بأن الاستفتاء الشعبي كان بلا جدوى حيث كانت الحكومة اليونانية تأمل في أن يكون الاستفتاء دافعاً وراء تسهيل وتسريع عملية المساعدات وتخفيف الديون. وقد وافق وزراء مالية اليورو على حزمة المساعدات الجديدة لليونان يوم 14 أغسطس والتي تُقدر بنحو 86 مليار يورو وستبلغ الدفعة الأولى نحو 26 مليار يورو تُقسم إلى جزئين (10 مليار يورو فورًا لأغراض إعادة رسملة البنوك و16 مليار يورو على أقساط)، ويتضمن أن يكون هناك احتياطي بالبنوك يبلغ 25 مليار يورو. مع تعهد منطقة اليورو بتقديم 35 مليار يورو لمساعدة اليونان على تخطى حالة الركود الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة. ليأتي بعدها تسيبراس ليعلن استقالته يوم 20 أغسطس، فقد شكك في قدرته على مساعدة اليونان وأنه ليست ما تحتاجه البلاد في الوقت الراهن، لتدخل اليونان في مرحلة جديدة من الانتخابات البرلمانية.

ولكن عاد تسيبراس ليفعلها من جديد ويفوز في هذه الانتخابات التي أجريت في سبتمبر الماضي ليعكس قبول غالبية اليونانيين بالوضع الراهن لليونان ربما لقلقهم من أن تغيير آخر في الحكومة يمكن أن يحقق مزيد من الفوضى المالية. فقد أدى رفض اليونان خلال مفاوضات برنامج الإنقاذ في وقت سابق من العام إلى فرض ضوابط على رأس المال وإغلاق البنوك مؤقتًا وخسارة العديد من الشركات، وهو وضع لا يفضل اليونانيين العودة له مرة أخرى.

ومع التزام اليونان بتطبيق التدابير التقشفية، بدأ المركزي الأوروبي في خفض السيولة الطارئة للبنوك اليونانية ابتداءً من 7 اكتوبر ليصل إلى 86 مليار يورو يوم 5 نوفمبر ليدل على بدأ استقرار الوضع اليوناني مرة أخرى. ولكن في النهاية يعد مطالبة اليونان بالحصول على برنامج مساعدات أخر يمثابة مزيداً من أعباء الديون على كتفي اليونان واستمرار الأزمة على المدى الطويل، حتى وإن هدأت حدتها مؤقتها بعد إبرام الاتفاق. 

البرتغال

من ناحية أخرى، تعد البرتغال هي الأزمة الحقيقية الثانية التي على وشك الانفجار، وذلك بسبب زيادة عبء الديون على البرتغال، بالإضافة إلى ضعف الأداء الاقتصادي والذي قد يكون سبب في تخَلُف البرتغال عن سداد هذه الديون، من ناحية أخرى، قد تُسبب الانتخابات المقرر عقدها في وقت لاحق من هذا العام تفاقم الأزمة البرتغالية الثانية. فعند إلقاء نظرة عن كثب على الوضع الاقتصادي، فيبدو أن البرتغال في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه قبل ثلاث سنوات، فقد أنهت برنامج الإنقاذ في مايو من العام الماضي عقب تحقيق أهداف البنك المركزي الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وبدأ الاقتصاد في النمو مرة أخرى. وإذا استطاعت البرتغال التعافي من أزمة الديون فسوف يعد هذا بمثابة نجاح كبير للاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، ولكن المشكلة هنا هو أنها لن تستطيع ذلك. فلا يُظهِر الاقتصاد البرتغالي أية ملامح للنمو المستدام، ويرجع نمو إجمالي الناتج المحلي بشكل أساسي إلى زيادة معدل إنفاق المستهلكين والاستثمار، بينما لا يزال يشهد حجم الصادرات تراجعًا بالإضافة إلى استمرار ارتفاع معدلات البطالة، وبصرف النظر عن كل هذا، تعد المشكلة الحقيقية هي الدين، فوفقًا لأحدث البيانات الصادرة فقد ارتفع نسبة الدين في البرتغال إلى إجمالي الناتج المحلي إلى 130%، بما في ذلك نسبة 70% إلى الأجانب، وهو الأمر الذي أثار العديد من المخاوف.  فيجب على البرتغال أن تسجل معدل نمو 3% لكي تستطيع خدمة هذه الديون وهو الأمر الذي يعد شبه مستحيل خلال الوقت الحالي.

 

 

                                                                                    

اسبانيا

أيضًا بالنظر إلى إسبانيا نجد أن الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 قد أطاحت بإسبانيا في ظل أزمة الرهون العقارية لتتبنى الدولة السياسة التقشفية في محاولة لتخطي تلك الأزمة. اللافت للانتباه أن أسبانيا تغلبت على الركود الاقتصادي في النصف الثاني من عام 2013 تحت قيادة حكومة الحزب الشعبي الحاكم المتبع للتدابير التقشفية ليوافق وزراء مالية منطقة اليورو في نوفمبر 2013 للسماح لإسبانيا بالخروج من برنامج المساعدات مشيرة إلى أن الوضع العام في القطاع المصرفي الإسباني تحسن بشكل ملموس. ولكن على الجانب الأخر نجد أن التدابير التقشفية التي اتبعتها الحكومة أدت إلى تسريح العمالة وخفض تكاليف التوظيف فقد وصلت معدلات البطالة إلى 23%. الأمر الذي دفع حزب بوديموس المناهض للتقشف تحقيق بعض المكاسب في انتخابات مايو الماضي إضافة إلى حزب "المواطنون" الليبرالي المؤيد لسياسات السوق مقابل الحزب الشعبي الحاكم.

ولكن على الجانب الأخر، فاز الانفصاليون بالأغلبية المطلقة في كتالونيا بأغلبية المقاعد في البرلمان وصرح أنتونيو بانوس زعيم الحزب اليساري الانفصالي المناهض للرأسمالية بـ "بدون ضغينة، نقول وداعًا لإسبانيا". الجدير بالذكر أن كتالونيا تمثل 25% من إجمالي الصادرات الإسبانية و 18% من الناتج القومي ولذلك تعد من أهم الولايات في إسبانيا ويشعر مواطنوها بالاستياء من سياسة الضرائب التي تتبعها مدريد معتقدين بأنها تنهب ثرواتهم. وقد قام بالفعل البرلمان الكتالوني في نوفمبر بتأييد حملة الانفصال عن إسبانيا وإطلاق عملية تهدف إلى اقامة دولة مستقلة في إقليم كتالونيا بحلول عام 2017 إلى أبعد حد . حيث أيد 72 عضوًا على القرار بينما رفضه 63 عضوًا ليأتي بعدها رئيس وزراء إسبانيا ويعلن تصعيد الأمر إلى المحكمة الدستورية العليا للنظر في دستورية هذا القرار.

ولهذا يمكننا القول بأن العام الجاري لم يكن عام إيجابي لليورو بل وقبل نهايته قد يفاجئنا المركزي الأوروبي بقرارات جديدة تجعل هذا العام من أهم الأعوام التي مرت على اليورو بتراجع ما يقرب من 1400 نقطة أمام الدولار الأمريكي وجعلت الأسواق في استعداد للوصول إلى مستوى التكافؤ عند 1.00 في حال اتساع الفجوة بين توجهات الفيدرالي الأمريكي والمركزي الأوروبي.

 

 

 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image