هل يُعيد التاريخ نفسه؟ لنلقِ نظرة على الأزمة الاقتصادية لعام 1929

هل يُعيد التاريخ نفسه؟ لنلقِ نظرة على الأزمة الاقتصادية لعام 1929

في ظل تزايد التوقعات باقتراب دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة كساد خلال الفترة المقبلة، خاصًة بالنظر إلى اضطراب الأوضاع الاقتصادية الحالية وتباطؤ النمو الاقتصادي الصيني وتراجع معدلات التضخم العالمية، يتناول التقرير التالي نظرة على أكبر وأشهر الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين ويضرب بها المثل لما قد يحدث في القرن الواحد والعشرين، ألا وهي الكساد الكبير

هو أزمة اقتصادية بدأت في عام 1929 ومرورًا بالثلاثينيات وبداية الأربعينيات، بدأت مع انهيار سوق الأسهم الأمريكية في 29 أكتوبر 1929 والمسمى بالثلاثاء الأسود. وقد كان تأثير الأزمة مدمرًا على كل الدول تقريبًا الفقيرة منها والغنية، وانخفضت التجارة العالمية ما بين النصف والثلثين، كما انخفض متوسط دخل الفرد وعائدات الضرائب والأسعار والأرباح. وكان أكثر المتأثرين بالأزمة هي المدن وخاصة المعتمدة على الصناعات الثقيلة كما توقفت أعمال البناء تقريباً في معظم الدول، كما تأثر المزارعون بهبوط أسعار المحاصيل بحوالي 60% من قيمتها.

  • أسباب الأزمة

يرجع حدوث الأزمة في الولايات المتحدة إلى عدم استقرار الوضع الاقتصادي وسياسة كثافة الإنتاج لتغطية حاجات الأسواق العالمية خلال الحرب العالمية الأولى بسبب توقف المصانع في بعض الدول الأوروبية بعد تحولها إلى الإنتاج الحربي وعودة الكثير من الدول إلى الإنتاج بعد انتهاء الحرب والاستغناء عن البضائع الأمريكية. لهذه الأسباب تكدست البضائع في الولايات المتحدة وتراكمت الديون وأفلس الكثير من المعامل والمصانع وتم تسريح العمال وانتشرت البطالة وضعفت القوة الشرائية وتفاقمت حينها المشاكل الاجتماعية والأخلاقية.

إضافة إلى ذلك تلكؤ الدول الأوروبية في تسديد الديون المتوجبة عليها للولايات المتحدة الأمريكية مما أدى إلى فقدان المستثمرون الأمريكيون والأجانب الثقة في الخزانة الأمريكية. وانعكس ذلك على بورصة وول ستريت إذ أقدم المساهمون في الشركات الكبرى على طرح أسهمها للبيع بكثافة. وأدى ذلك إلى هبوط أسعار الأسهم بشكل حاد وجر مزيداً من الإفلاس والبطالة.

  • التعافي من الأزمة

لم يبدأ الانتعاش في الولايات المتحدة إلا عام 1933 مع سياسة العهد الجديد التي وضعها الرئيس فرانكلين روزفلت، حيث نصت على وضع حلول للأزمة المصرفية وإعادة فتح البنوك السليمة، وإصدار قوانين عامي 1933 و1935 التي تمنع البنوك من التعامل بالأسهم والسندات. وكذلك إنشاء مؤسسات لرعاية ضحايا الأزمة من العاطلين، بالإضافة إلى إصدار قوانين تحقق الاستقرار في قطاع الزراعة وإصدار قانون الإصلاح الصناعي وتصحيح استخدام الأوراق المالية من خلال إنشاء لجنة تبادل الأوراق المالية عام 1934.

  • آثار الأزمة

تركت الأزمة تأثيرًا كبيرًا في الأنظمة الرأسمالية فقد تحول النظام الاقتصادي الرأسمالي الحر إلى اقتصاد موجه وخضعت بعض القطاعات الحيوية لنظام التأميم، كما تدخلت الدولة لتوجيه الصناعيين والمزارعين والمستثمرين وتوعيتهم، هذا، وقد أسهمت الأزمة في وصول الأنظمة الدكتاتورية إلى السلطة في بعض البلدان كالنازية في ألمانيا. وأغلقت أسواق كثيرة في وجه التجارة العالمية وتوقف التبادل التجاري واتبعت دول كثيرة سياسة الاكتفاء الذاتي مثل النظامين الفاشي في إيطاليا والنازي في ألمانيا.

كما أن انهماك الكثير من الدول في معالجة أزمتها الاقتصادية جعلها تغفل عن خطورة ما يجري على الصعيد العالمي من انتهاك لقرارات المنظمة الدولية وعودة إلى مبدأ التسلح وخرق المعاهدات الدولية ولقد قوت الأزمة بطريقة غير مباشرة النظام الشيوعي الذي لم يتأثر بها بغض النظر عن أزماته الداخلية.

وهكذا كانت الأزمة الاقتصادية الكبرى نتيجة من نتائج الحرب العالمية الأولى وسبباً من أسباب قيام الحرب العالمية الثانية.


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image