تحديات الأزمة اليونانية بعد الاستفتاء

لا يوجد مكسب مادي واحد وراء تصويت اليونان، فلا قانون تم تنفيذه ولا شخص أصبح رئيسًا ولا أي شئ، فقط 60% من 5 مليون صوت يوناني قالوا "لا" لعرض غير موجود أساسًا وهو عرض 25 يونيو أو المسمى بعرض المؤسسات، الذي كان يضم بعض الأجراءات التقشفية التي وافق على معظمها حكومة تسبيراس ولكنه رفضها وأعلن الأستفتاء وهي أيضًا قريبة جدًا من العرض الذي قدمه نفس الشخص يوم 1 يوليو لطلب برنامج مساعدات ثالث بعد عجز اليونان عن دفع استحقاقات الاتحاد الأوربي والذي تم رفضه والإشارة أنه لا اتفاق إلا بعد الاستفتاء، وذلك على أمل أن يأتي بنعم، الأمر الذي سيضمن قبول تسبيراس لكل مطالب الاتحاد الاوربي وهو ما لم يحدث. "لا" الأن تعني أن الشعب اليوناني لا يوافق على المزيد من اجراءات التقشف وأنه يؤيد حكومته في موقفها الحالي، الأمر الذي يجعل كل ما حدث الأسبوعين الماضيين يمثل أول صراع داخلي وتحدي داخل الاتحاد الأوربي.

رئيس الوزراء اليوناني تسبيراس هو رئيس حزب سيريزا اليساري الذي جاء ليمنع التقشف الذي كان يراه الدائنين حلًا خلال الخمس أعوام الماضية منذ بداية برامج المساعدات والتي لم تساعد على تحسين الاقتصاد اليوناني ولكن على النقيض تدهور الاقتصاد ووصلت البطالة إلى أكثر من 25%، لذلك يسعى تسبيراس إلى القبول بأي شئ ما عدا إجراءات التقفشف أو على الأقل ابعاد هذه الأجراءات عن الطبقات المحدودة والمتوسطة. 

وعلى الجانب الأخر فإن الاتحاد الأوربي يعرف أن أزمة الديون لن تقف عند اليونان فقط ولكن سيأتي اليوم ونرى أسبانيا والبرتغال وإيرلندا وايطاليا ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوربي، لذلك فهم يعرفون أن ما سيقدم لليونان سيكون حقًا مستقبليًا لأي دولة تتعتثر في سداد ديونانها وإذا قام الاتحاد الأوربي بالرضوخ لطلبات اليونان فتوقعوا بأن هذه الدول ستقوم بتقليد التجربة اليونانية وستأتي بحكومات يسارية مضادة لإجراءات التقشف على سبيل المثال بابلو إلسياس رئيس حزب نستطيع الأسباني. الأمر الذي لا يريده الاتحاد الأوربي فالفكر اليساري ضد الاتحاد وسيؤدي لتفكيك الاتحاد الأوربي في أسرع وقت.

موقف تسبيراس الأن قوي ولكنه لا يملك الوقت فالبنوك اليونانية سيولتها ستنتهي يوم الجمعة القادمة على أقصى تقدير وذلك على الرغم من تطبيق سياسة الـCapital control للحفاظ على السيولة لذلك تحتاج اليونان لرفع السيولة الطارئة لدعم البنوك او ما يسمى بالـELA لدعم النظام المالي اليوناني وهو قرار المركزي الأوربي الذي قام بتثبيت الـELA عند 89 مليار يورو قبل الاستفتاء واليونان الأن تنتظر قرار ماريو دراجي الذي سيكون له تأثير كبير على تطورات أزمة اليونان. في حال قام المركزي الأوربي بتثبيت الـELA فلن يكون هناك سيولة في البنوك وفي حال قاموا بإيقاف السيولة الطارئة فسيكون أخر يوم لليورو في اليونان وستعود الدراخما اليونانية في نفس اليوم فلن يسمح تسبيراس بأن تعم الاضطرابات البلاد وستكون هذه إشارة مباشرة من الاتحاد الأوربي لتخليها عن اليونان. الأمر الأخر وهو أقل أهمية في وجهه نظري هو استحاق 20 يوليو بقيمة 3.5 مليار يورو لصالح للاتحاد الأوربي، عجز اليونان أو تأخرها لن يكون مفاجئ إذا لم يتم ابرام اتفاق خلال الأيام القادمة الأمر الذي سيجعل عجز اليونان عن دفع استحقاقات الاتحاد الأوربي له تأثير محدود على الأسواق مثلما حدث مع تأخر اليونان في سداد مستحقات صندوق النقد الدولي.

أزمة اليونان في مفترق طرق، ويجب أن يقوم طرف بالتنازل حتى تمر، ويجب أن يحدث هذا الأمر سريعًا فلا احد يملك وقت الأن. إذا استمرت الاجواء كما رأيناها الفترة الماضية فسيناريو الخروج من منطقة اليورو هو الأرجح ولن أناقش تداعياته لأنه أمر يطول شرحه ولكن أهم تداعياته ستكون ضعف كبير في اليورو. أما على جانب حل الأزمة فما قدمه صندوق النقد الدولي في تقريره عن اليونان بعد عجزها عن سداد ديوناها هو الحل الوحيد الذي أراه مناسبًا لأزمة اليونان وهو برنامج مساعدات ثالث عبارة عن 50 مليار يورو على 3 سنوات وفترة سماح 20 سنة لا تقوم فيها اليونان بدفع أي استحقاقات خارجية. برنامج مميز وواقعي وشخصيًا لا أستبعد أن توافق عليه الاتحاد الاوربي ماعدا الجزء الخاص بفترة السماح فخلال فترة المفاوضات كان الحديث عن إعادة جدولة الديون من الأمور المرفوضة خصوصًا من الطرف الأوربي. ولعل استقالة فاروفاكس وزير المالية اليوناني الذي كان دائمًا مصدر ازعاح بالنسبة لدائنين سيساعد اليونان على الحصول على اتفاق وخصوصًا أن من المتوقع أن يحل محله رئيس المفاوضيين اليونانيين إقليدس ساكاليتوس وهو شخص دبلوماسي مخضرم ومحبب للجانب الأوربي

لذلك على الجانب الاقتصادي أتوقع استمرار ضعف اليورو خلال الفترة القادمة لاسيما في ظل وجود برامج التسيير النقدي وحالة الاقتصاد الحالي الذي لا يشهد تعافي بالصورة المطلوبة، وإذا تم تصعيد أزمة اليونان سيضيف ذلك المزيد من الضعف للعملة الموحدة.


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image