وعود البنوك المركزية.. محاولة للتواصل أو الإيهام!

وعود البنوك المركزية.. محاولة للتواصل أو الإيهام!

تبدلت سبل البنوك المركزية في التواصل منذ الأزمة العالمية. فلم تعد البنوك تتخذ قرارات السياسية النقدية بشكل مفاجئ، كما كان الحال قبل الأزمة. وقد أصبح التواصل المباشر مع الأسواق والتوجه المستقبلي واحداً من أهم أدوات السياسات النقدية حول العالم في وقت أدركت فيه البنوك ما يمكن أن تقدمه الشفافية التامة فيما يتعلق بتفادي تقلبات الأسواق أو حتى تقديم الدعم اللازم للاقتصاد عندما تصل معدلات الفائدة إلى مستوياتها الصفرية.

لكن هل أصبح التواصل المباشر كافياً؟ في وقت باتت فيه الحكومات التكنوقراطية تواجه صعوبة في اكتساب ثقة العامة، لجأت البنوك المركزية إلى أساليب غير اعتيادية للتواصل بشكل مباشر مع العامة. ولعل تلك الوسيلة لا تعزز فقط من استقلالية البنوك المركزية وقراراتها، بل أنها تساهم أيضاً في تعزيز فاعلية السياسة النقدية.

في أحدث مؤتمرات المركزي الأوروبي جمع بين قادة أربعة من أكبر البنوك المركزية في العالم، ركز البنك على أهمية التوجيه المستقبلي وكيف أصبح هذا النهج سائداً بين بنوك العالم. وفي استطلاع ضم 55 بنك مركزي، صرح أكثر من نصف البنوك أنهم فضلوا انتهاج التوجيه المستقبلي كأحد أدوات السياسة النقدية التي أثبتت فاعليتها. وقد أكدت الإحصائيات بأن التوجيه المستقبلي للبنوك ساهم في تجنب اضطرابات أسواق السندات عقب قرارات السياسة النقدية.. فكلما كانت خطوات البنوك المركزية أكثر قابلية للتنبؤ كلما اختلف تفاعل الأسواق والمستثمرين. فتفاعل الأسواق مع القرارات المتوقعة سيختلف تماماً عن تلك القرارات التي تم إتخاذها بالفعل وبشكل مفاجئ.

لا تقتصر منافع التوجيه المستقبلي على هذا فقط، بل الشفافية حول توجهات السياسة النقدية المستقبلية قادرة على تقديم المزيد من الدعم للاقتصاد. على سبيل المثال، فإن وعود البنك المركزي بإبقاء الفائدة عند مستوياتها المنخفضة لفترات مطولة من الوقت تعد وسيلة بديلة لتحفيز الاقتصاد عندما يعجز البنك عن الاستمرار في خفض الفائدة. فتلك الوعود تعد بمثابة حافزاً للأسر والأعمال كي تقترض، حيث لا توجد مخاوف من ارتفاع سعر الفائدة.

وقد أشاد محافظ المركزي الأورربي، ماريو دراجي، خلال المؤتمر المذكور بمدى فاعلية تلك الآلية في التحكم بالأسواق وحمايتها من التقلبات القوية. وقد استشهد على ذلك بنهج البنك وقدرته على الحفاظ على استقرار الأوضاع المالية بالمنطقة في وقت ركزت فيه الأسواق العالمية على الفيدرالي الأمريكي الذي بدء في تشديد السياسة النقدية. فإلى جانب برامج التيسير النقدي والفائدة السلبية، أثبتت تلك التوجهات فاعليتها والتي طغت حتى على القرارات الفعلية.

لكن تظل هناك تساؤلات حول ما إذا كانت تلك الآلية قد تمثل خطراً على الأسواق مستقبلاً. فماذا إذا توعد البنك برفع الفائدة تدريجياً، حين كان التضخم يرتفع بوتيرة بطيئة، ثم ازدادت الضغوط التضخمية بشكل غير متوقع لتترك البنك حينها أمام خيار وحيد وهو تسريع وتيرة الفائدة؟ من هنا، تم توجيه الانتقادات إلى تلك الآلية استناداً على مبدأ أن التدريج والتنبؤ لن يكون فاعلاً إذا رأته الأسواق أنه التزام حتمي لا يخضع للتغيرات التي تطرأ على المشهد بين ليلة وضحاها. 

على صعيد البنوك المركزية، فإن انتهاج هذا التوجه يأتي مصحوباً بالعديد من التحديات. من أبرز تلك التحديات هو صعوبة الديناميكية التي تعمل بها السياسة النقدية، وهنا يأتي دور البنك في تبسيط تلك التعقيدات وإيصالها بسلاسة إلى العامة. هذا فضلاً عن الأزمة العالمية وما أدت إليه من تناقص الثقة في البنوك المركزية والحكومات التقنوقراطية ظناً بأنهم السبب الرئيسي وراء ارتفاع نسب البطالة وتباطؤ نمو الأجور.

من ناحية آخرى، فإن شفافية البنوك المركزية تساعدها على تحصين استقلاليتها، بما يسمح لها بإتخاذ القرارات الضرورية من رفع الفائدة لاحتواء التضخم والحفاظ على الاستقرار المالي، أو خفضها لمستويات الصفر إن لزم الأمر. 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image