التحفيز المالي والسياسة النقدية.. هل يقودان اقتصاد العالم إلى مستقبل أفضل؟!

التحفيز المالي والسياسة النقدية.. هل يقودان اقتصاد العالم إلى مستقبل أفضل؟!

       وقع الاقتصاد العالمي فريسة للضغوط الانكماشية طوال السنوات الأخيرة حتى أواخر العام 2016. وهو الدافع وراء خفض صندوق النقد الدولي لتطلعات النمو العالمي على المدى المتوسط على مدار خمسة أعوام متتالية عانى خلالها الاقتصاد العالمي من انخفاضات قوية في الطلب أثرت على مستوى النمو العام. على الجانب الأخر، فإن جذور الأزمة العالمية وارتفاع أحجام الدين نتيجة الإفراط في التوسع الائتماني لازالت قائمة مما يجعل التعافي هشاً وغير متماسك.

لكن بحلول نهاية العام الماضي تبدلت النظرة للاقتصاد العالمي بنحوٍ كبير. فقد ساهمت التطورات الأخيرة في تحسن تطلعات النمو والتضخم على المستوى العالمي وفي اقتصادات محددة. صحيح أن الضعف الواضح الذي سيطر على النمو الأمريكي خلال الربع الأول من هذا العام جعل الأسواق تشكك في القوة الحقيقية للتعافي، إلا أن ذلك الضعف لا يُقارن بالفترات العصيبة التي مر بها الاقتصاد خلال الأعوام الماضية مما جعل الأسواق تستمر في تبنى نظرة تفاؤلية حول مسار التعافي خلال الشهور التالية على أمل أن ينجح في تعويض فجوة الربع الأول.

لعبت السياسات المالية دور أساسي في تحسن تطلعات الاقتصاد العالمي. فقد لجأت الاقتصادات المتقدمة إلى تطبيق سياسات مالية توسعية ضمن محاولات إنقاذ النمو. وقد ارتفع حجم الإنفاق في الاقتصادات المتقدمة بمتوسط 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2016 بعد سنوات طويلة من الاستقرار. في الوقت ذاته ارتفع العجز المالي بالصين من النسبة 0.9% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2014 إلى نسبة 2.8% خلال 2015 ثم إلى 3.6% خلال 2016. واستناداً على ذلك، تشير توقعات الاقتصاد الأمريكي إلى ارتفاع حجم العجز المالي خلال 2018 إلى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي ، بعدما استقرت التوقعات في السابق عند نسبة 3.5% فقط. اعتمدت تلك التوقعات على خطط السياسة المالية خلال السنوات القادمة اعتقاداً بمبدأ أن السياسة النقدية وحدها لن تكون قادرة على توجيه التعافي الاقتصادي.

في واقع الأمر، كانت السياسات المالية محرك رئيسي للاقتصاد العالمي خلال السنوات التالية للأزمة العالمية ولا يمكن إنكار دورها الحيوي في محاولة إنعاش النمو من جديد. فبالنظر إلى الولايات المتحدة نرى تراوح العجز في الفترة ما بين 2009 و 2011 قرابة 11.2% مما ساعد الاقتصاد في التعافي بوتيرة أسرع مقارنة باقتصاد منطقة اليورو حيث تراوح العجز المالي عند 5.7% فقط خلال نفس الفترة. أما في اليابان فقد اعتمد التعافي الاقتصادي على سلسلة من إجراءات التحفيز المالي خاصة بعد رفع الضريبة على المبيعات في إبريل من 2014.

إلا أنه منذ 2011 اتجهت الحكومات إلى تشديد السياسة المالية وكان على رأسها الولايات المتحدة إلى أن تبعتها منطقة اليورو في العام التالي حيث فرضت على الدول الأعضاء الالتزام بخفض العجز تدريجياً.  ربما كان التشديد المالي خطوة ضرورية للتحكم في حجم الدين العام مستقبلاً، فيما استمرت السياسات النقدية في نهجها التوسعي بهدف تحفيز نمو الطلب والدفع بمعدلات التضخم إلى المستويات المستهدفة.

رأى الكثيرون أن هذا الاعتقاد غير صائب حيث أن السياسة النقدية بمفردها ستقف عاجزة عن التحكم باقتصادات مثقلة بأعباء الدين ومهددة بالركود. فقد تتجه البنوك المركزية إلى خفض الفائدة، لكن هذا لن يؤثر بقوة على معدلات الاستثمار والاستهلاك إن كانت مستويات الدين مرتفعة ومعدلات الفائدة بالفعل عند مستويات متراجعة. ونظراً إلى أن خفض الفائدة يتسبب في تراجع قيمة العملة، فما العمل إن كانت غالبية إن لم تكن كافة عملات العالم مُثقلة بفائدة منخفضة!! وكيف سيواجه العالم انخفاض الطلب وسد هذه الفجوة في وقت تتسارع فيه الحكومات لإضعاف قيمة عملتها!!

على الصعيد الأخر وعلى خلفية أن انخفاض معدل الفائدة يتسبب في ارتفاع أسعار الأسهم والأصول العقارية، فإن استفادة الاقتصاد الحقيقية تبدو ضئيلة للغاية. على سبيل التوضيح، ارتفع حجم الثروات بالمملكة المتحدة في الفترة ما بين عامي 2007 و 2015 بما يُعادل 40% في الوقت الذي استمر فيه تباطؤ الأجور الحقيقية أو المُعدلة على أساس التضخم. كانت تلك أحد تبعات تطورات المشهد العالمي خلال الفترات الأخيرة والتي تجلت بوضوح مؤخراً على خلفية ملف الخروج البريطاني من الإتحاد الأوروبي، فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية وارتفاع المخاوف جراء الانتخابات الأوروبية.

وإن كان التوسع في السياسة النقدية يتطلب توسع السياسة المالية في المقابل، فمن المعتقد أن هذا المزيج قد يُساعد الاقتصاد على التأقلم مع ارتفاع حجم الدين دون الحاجة إلى رفع الفائدة. فيرى الخبراء أنه مع مُعاناة الاقتصاد من ارتفاع حجم الدين المصحوب بضعف الطلب لن توجد آلية محددة تكون قادرة على العودة بالاقتصاد إلى النطاق المستهدف للتضخم إن لم يتزامن خفض الفائدة مع سياسة مالية توسعية.

لكن إذا كانت السياسة النقدية التوسعية قادرة على حل أزمة ارتفاع الدين، فالسؤال هنا كيف سيتم سداد هذا الدين؟  تشير توقعات صندوق النقد إلى استمرار ارتفاع حجم الدين مقابل الناتج المحلي والاستقرار نسبياً على المدى المتوسط في الاقتصادات المتقدمة. حينها سيكون على السياسات المالية التفاعل مع تلك الارتفاعات وإلا سوف تتخلى هذه الاقتصادات عن مكاسبها الأخيرة.

يعتقد البعض بأنه من الضروري أن يكون الأفراد على ثقة تامة بأن العجز الحالي سيتم سداده عن طريق ارتفاعات التضخم المستقبلية وليس عن طريق زيادة الضرائب أو خفض معدل الإنفاق.

وفي الولايات المتحدة على سبيل المثال، يتم مراقبة خطط السياسة للإدارة الأمريكية الحالية والتي إما أن تساهم في تسارع وتيرة النمو الحالي أو تخيب الآمال خاصة فيما يتعلق باستثمارات البنية التحتية والضرائب. وهنا يتوقف استمرار التعافي الاقتصادي بالدول المتقدمة على التحفيز المالي المُصاحب للسياسة النقدية التوسعية.

 

قسم أبحاث السوق 

المتداول العربي 


اقرأ أيضاً: 


 


large image
الندوات و الدورات القادمة
large image